
إن ما قدمه وائل الدحدوح من ثمن غال من أرواح عائلته وما أبداه من جلد وصبر وشجاعة وتحمل بمواصلة عمله الصحفي كمراسل لقناة الجزيرة القطرية والإصرار على كشف الحقيقة كاملة بالصوت والصورة عن الدمار والخراب والقتل الممنهج للمدنيين في غزة وخاصة الأطفال والنساء، لعمل بطولي فارق ومشهد متعال نشاهده بأعيننا وفي اللحظة الحادثة وليس مجرد قصص أبطال نقرأ عنها في كتب الروايات والتاريخ..
إن آل الدحدوح يقدمون لنا نموذجا. حيا بالدم، على أن الإيمان بالقضية. والعيش من أجلها والاستشهاد في سبيلها ليس مجرد كلام نثر عابر أو قصائد شعر منفعل، وإنما أفعال تضحية بالأرواح والأجساد وبكل ما تملك من نفيس وأنفس. وإنها تحقق لأقصى الأماني وهي: إن تموت شهيدا من أجل الأقصى.
إن شجاعة هذا الصحفي المتواضع وهو يحمل ميكرفون الصوت لتغطية أحداث الدمار والقتل، مباشرة بعد دفن أربع من عائلته (زوجته وأبناءه) لأمر جلل ومجلجل وخلق عظيم يفوق كل ما شاهدناه وعرفناه وما قرآنا عليه في التاريخ من بطولات وتضحيات. وإن يتكرر الأمر بعد دفن ابنه الصحفي (حمزة الدحدوح) بنفس التحدي والثبات ليقف شامخا وشجاعا، رغم أنه فقد روح الروح التي تتمثل في فلذة كبده وبقية عطر زوجته لحدث جلل لا يقوى على تحمل مثله إلا من كان معيته روح ربانية تشد أزره وتلهمه رشده ولا شبيه له إلا لأولئك الذين ذكرهم القرآن العظيم ورسوله الكريم أنه في سبيل الإيمان بالله الواحد بحيث نشرو بالمناشير وقطعوا إربا إربا فما زادهم إلا صبرا وإيمان ودعاء الله أن يتقبلهم عنده من الشهداء الطاهرين.
شهداء الحقيقة
لقد عملت الكابينة العسكرية الصهيونية منذ البداية على أن تعمل بمنهجية في أن لا تخرج مما تقوم به في غزة إلا الصورة الاعلامية التي تريدها وان لا تنتشر إلا الحقيقة التي تخدمها هي…. ولأن سيطرة السردية الصهيونية منذ نشأتها على الاعلام الغربي كله منذ عقود والتي كانت تصنع رايا عالميا مؤيدا لها دوما في احتلالها لأرض فلسطين وتاريخها بحيث زيفت وجود حقيقتها التاريخية والدينية والجغرافية بزعم خلوها من السكان ومن العرب ومن المسلمين وايضا في حروبها الخاطفة مع العرب حيث عندما هزمتهم أكثر من مرة عسكريا كانت دوما تتأسس على تزييف الحقائق ونشر المزاعم والأكاذيب فلم تنتشر الا الحقيقة التي تريدها ولأزمنة طويلة.
حتى إجهازها على قطاع غزة وسكانه بدأت بنشر أكاذيب مروعة وجد فضيعة ألصقتها بالمقاومين بوصف أن معركة طوفان الأقصى لم تكن إلا أعمالا إرهابية متوحشة موغلة في الذبح والاغتصاب، ولكن ما أن بدأت تغطيات ومراسلات الصحفي المتمرس وائل الدحدوح تكشف الحقيقة وتبين تهافت الرواية الإسرائيلية وتعرى الغطرسة الصهيونية في ما ترتكبه من مجازر وقتل للأطفال والنساء من خلال قناة الجزيرة القطرية خاصة لجأت الكابينة الصهيونية الحربية وبغطاء القنوات الغربية المتصهينة و المنحازة وبرغبة أمريكية كالعادة دوما اللجوء إلى نفس الأساليب القذرة وهي قتل الصحفيين والانتقام منهم من خلال قتل عائلاتهم وأبنائهم وتفجير مساكنهم ومحالّ إقاماتهم لإرهابهم وتخويفهم وثنيهم عن قول الحقيقة وعن فضح ممارستهم النازية وحتى لا توثق الجريمة الإنسانية بالصوت والصورة..
ولكن شجاعة الدحدوح وكثير من الصحفيين رسل الحقيقة من أجل إعلام موضوعي لم يرُق لمدعي حرية الرأي والفكر وواحة الديموقراطية في الشرق الأوسط- كما يزعمون في أمريكا وكما يقال زيفا- فانتهجوا بكل خسة ونذالة ودونية أخلاقية بالغة القبح الى الانتقام في البداية من عائلاتهم بالقتل والتشريد وتفجير المنازل مباشرة وبقصدية شريرة، وعندما عزم هؤلاء الأبطال على الاستمرار في نقل الصورة كماهي. وتوثيق الوحشية النهمة للقتل والحرق والتدمير للجيش الإسرائيلي وقيادته الصهيونية التي لا تبالي كعادتها بجميع المواثيق الدولية التي تنص على حماية الصحفيين والمدنيين ووجوب حماية كرامة الاسرى والجرحى. جن جنونها.
والحقيقة التي يجب تقال. إن عزيمة هؤلاء النشامى على نقل الصورة كما هي يفوق عمل المقاوم بالسلاح في الخندق. وأي واحد سقط منهم شهيدا لا تقل أهمية ودرجة عما يقوم المجاهد بالبندقية والرشاش في الميدان. ذلك أن في عصرنا الحالي أصبح سلاح الإعلام والصورة أكثر تأثيرا في معادلة الانتصار والهزيمة ولد دأبت إسرائيل منذ عقدين. على الحروب الخاطفة والسريعة المصحوبة بضخ إعلامي. كبير في مختلف المنافذ الإعلامية أن تحقق انتصارها إعلاميا لتبدو من جهة: الدولة التي تملك جيشا لا يقهر وتملك من جهة أخرى نظاما ديمقراطيا عادلا وإنسانيا فكانت تحشر أعداءها الفلسطينيين والعرب رغم عدالة قضيتهم في الدفاع عن وطنهم المسلوب في خانة الأشرار والإرهابيين وتوسم نفسها بمحور الأخيار المظلومين.
ولكن هذه المرة بفضل تضحيات آل الدحدوح وأقرانه من المراسلين والصحفيين وجدهم واجتهادهم في نقل الصورة الحقيقية التي تصرخ بالتوحش والبربرية على أهل وسكان غزة إلى درجة استطاعت أن يتحرك فيها بعض من ضمير العالم ونخبه خاصة تلك التي ما زال ضميرها إنسانيا وحيا إلى التنديد والاستنكار والمظاهرات الجماهيرية، ما جعل الآلة الصهيونية الإعلامية في الداخل والخارج والرهيبة عاجزة على الاستمرار في الكذب والتضليل والتزييف وحتى لا تنكشف خوارها. وتهافت إعلامها لجأت بكل وحشية إلى قتل. المباشر والمترصد لصحافي الجزيرة والميادين ووكالة القدس ومختلف القنوات. التي تسعى جاهدة إلى النقل المباشر للجريمة الصهيونية البشعة
الصحافي مجاهد الحقيقة
إن الإعلام حق له أن يكون سلطة ر لما لها من المهام المساعدة على صياغة الرأي العام الشعبي وذلك من خلال العزم والإصرار على التوعية بالحقيقة في الدول التي تسعى لتحقيق عدالة ووضوح في تسيير الشأن العام ويحق له أيضا أن يكون جبهة مجاهدة مناضلة مكافحة، جنودها الصحفيين والمراسلين وكتاب الجرائد ومحرريها وسلاحهم كاميراتهم وميكروفوناتهم وأقلامهم ولذلك وجب دوما أن نهتم بهذا الحقل في السلم والحرب لماله من دور جد خطير في المعارك من حيث الانتصار أوالهزائم. ولقد أدركت كثيرة من الثورات ضد الاستعمار والإمبريالية مثل الثورة الجزائرية والثورة الفيتنامية ونضالات جنوب أفريقيا ضد العنصرية أن المعركة من أجل الحرية والاستقلال والسيادة والحقوق المشروعة لا تتحقق بالسلاح الناري فقط وبالحروب العسكرية وحدهاوانما المعركة أيضا تكون بالإعلام المرئي والمكتوب لتصحيح المفاهيم وتبين التزييف وكشف الواقع القائم على الظلم والقهر ولذلك نجد نماذج للصحافي “وائل الدحدوح” مشابهة وغيره بذلت أرواحها مهراقة بكل شجاعة وإقدام من أجل نشر الوعي بالحقيقة والواقع. وبذلك تحقق الانتصار على أبواق الدعاية الإعلامية الضخمة للدول الاستعمارية والإمبريالية التي كانت تبييض سوادها وتجرم أفعال التحرر ونضالات الشعوب
/ تعزية رئيس الجزائر الحرة….
لقد بعث فينا سقوط ابن الصحفي وايل الدحدوح شهيدا بعد أقل من شهرين من فقدانه لعائلته كثير من الأسى والحزن العميق ونفس الوقت امتلأت صدورنا بالغضب والحقد على الصهيونية الفاشية وعلى كل المتخاذلين من حكومات العالم المتقدم. المدعي التحضر وعلى كل الأنظمة العربية والإسلامية العاجزة والخائرة التي لم تكن أبدا في مستوى التضحيات الجسام التي يقدمها سكان غزة العزة ولكن عزاءنا في شجاعة عمي تبون رئيس الجزائر الذي أثلجت صدورنا وخففت عنا تعزيته للصحافي وائل الدحدوح ومواساته رسميا والتعبير عن تحياته له وعن مواساته بكل قوة المشاعر والتعاطف مع مصابه وتنديده بالأعمال الوحشية للكيان المحتل ورفضه لعجز النظام الدولي عن توقيف إسرائيل عن غطرستها وحشيتها… ولذلك نشكر السيد الرئيس على هذه المواساة والتي أدت حتى بمراسل الجزيرة البطل الشجاع الصابر المحتسب أن بشكر السير الرئيس على مواساته ويعبر عن أواصر المحبة القوية بين الشعبين الفلسطيني والجزائري.
فطوبي للصحفي وائل الدحدوح وطوبى لحمزة الذي ارتقى شهيدا وطوبي لآل الدحدوح الذين صعدت أرواحهم مبتهجة في سبيل الله ومن أجل المسجد الأقصى الذي بورك من السماء وبورك كل من حوله. ولأعزاء لكل متخاذل وخائن ولو كان متوشحا بأستار الكعبة المكرمة.
سراي المسعود