التشاؤمية شكلت اهتمام الفلاسفة والعلماء, ومازالت منذ القرن الثامن عشر المعروف بعصر التنوير إلى يومنا هذا, باعتبارها نزعة ميتافيزيقية ضيقة محصورة بين الانزواء والتحرر, دائمة الضبابية تعتبر أن الشر كبل الخير ولم يعد قادرا على فرض وجوده, وأنه لا وجود للسعادة وأن الشقاء هو سيد الموقف وموطن لا مفر من حدوده, علما أن التفاؤل يعتبر بوابة التحرر من كل الرواسب لولوج عالم النجاح, والقفز نحو الإيجابية بخطى ثابتة, وأن الأفكار سرعان ما تنفلت حسب مزاج الذاتية إلى التنوير والسطوع لتصبح يقينا يثبتنا ويزيدنا وثوقا عند الولوج نحو اقتحام إثبات الذات, لتتبين ماهية الأشياء على صورها الحقيقية, فالطبيعة الإنسانية في حد ذاتها تلعب بين حبلين وهما حبل الخير والشر, وإن طغى جانب على جانب يكون التفاؤل أو التشاؤم, وقد كان التطير عادة سيئة عن العرب في الجاهلية, لتشاؤمهم من نعيق البوم وشكله والغراب وسواده, والتطير عند العرب أنواع يُشاهد أو يُسمع أو مَعلوم كالأيام والشهور أو أماكن بحد عينها أو سبل, وهذه خرافات مازلنا نسمع عنها في عصرنا هذا ومنتشرة بكثرة عند الكثير, كالتطير من الفأل القبيح وغيره, وقد يكون المستعمر من ساهم بقصد كعامل إلهاء في التشجيع على نشر سلوكيات تتنافى وعقيدتنا, في محاولة منه لجر المجتمع الجزائري نحو عوالم شيطانية, كالدجل والشعوذة والسحر والتبرك بالأضرحة والقبور والدروشة.
التشاؤمية هذا السلوك السلبي الغير مبرر مايزال منتشرا بين جميع فئات المجتمع العربي والإسلامي, ويشكل حاجزا بين الإيجابية, التي نحن بحاجة ماسة لها اليوم كوعي مجتمعي يساهم في ترويج الفكر البناء والتصدي لكل المثبطات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتكسير العزائم وشل مضادات الإيديولوجيات السامة والأفكار الغربية الشاذة, التي تريد تدجين أمتنا والتلاعب بعقول شبابنا, والدفع بهم نحو أحلام وهمية مختصرة بين الموضة وسحر التحرر الجنسي, وهذا والله داء عضال وخاصة إن أقعدنا عن نهضتنا العلمية والتطلع لمستقبل يدفع بنا نحو التقدم الفكري والحضاري والسياسي ومجابهة التحديات العالمية ومتغيراتها المصلحية.
والطيرة ويعني بها التشاؤم فقد قال عنها ابن الأثير” التطير بالسوائح والبوارح من الطير والضباء وغيرهما, وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم, فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه, كما أنه ليس له تأثير على النفع والضرر, وقد قال عنه ابن عثيمين” التطير ينافي التوحيد ووجه منافاته له وجهين, أولهما أن المتطير قطع توكله على الله واعتمد على غير الله, وثانهما أنه يتعلق بأمر لا حقيقة له, بل هو وهم وتخيل, وهذا لا شك أنه يخل بالتوحيد, لأن التوحيد عبادة واستعانة, مستندا إلى قول الله تعالى “إيّاكً نَعبدُ وإيّاكَ نَستعِينُ”
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل”, قالوا: وما الفأل ؟ قال: “كلمة طيبة”, وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا عدوى ولا طيرة، وإن كان الشؤم في شيء ففي الدار، والمرأة والفرس”, وعن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتطير. رواه أبو داود بإسناد صحيح. وعن عروة بن عامر رضي الله عنه قال: ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” أحسنها الفأل، ولا ترد مسلما فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: “اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك” .
إن ديننا الإسلامي فصل في كل شيء ولم يترك خللا تنساب منه مكائد أعداء الأمة, وإن اصالتنا تحتم علينا أن نتقيد بما هو شرعي, وأن نعود لكتاب الله وسنة رسوله وأن لا نخوض في الفلسفات المتضاربة التي لم تعد ثابتة ولا تتماشى ومقتضيات حياتنا, فالتشاؤم الفلسفي الذي يعتبر نظرة علمية أو كما يسمونه بالأخلاقيات التي تحارب الآمال والتوقعات الغير عقلانية, لا تتناسب وشخصيتنا الإسلامية, مصداقا لقوله تعالى في سورة التوبة الآية 51 ” قُل لّن يُصيبنًا إلا ما كَتبَ اللهُ لنا وعلى اللهِ فَليتوكّلِ المُؤمٍنُونَ”
بلخيري محمد الناصر