شاهدت حوارا في إحدى القنوات عن الفلسفة في الجزائر والدرس الفلسفي وبدا لي وأنا أستمع للمتدخلين الذي يبدون لي أنهم أساتذة في مؤسسة أو لهم علاقة بالفلسفة أن العزوف عن متابعة الاستماع أفضل من مواصلته من منطلق أن ما أسمعه لا يرقى إلى مستوى الفكر العميق المطلوب أو على الأقل من مستوى ذلك الفكر والأمل المفعم بالجدية الذي كان يسمعنا إياه الدكتور الربيع ميمون أبو عمران الشيخ رحمهما الله، أو الدكتور بلعزوقى أطال الله عمره ٠٠٠
ولكنني أجبرت نفسي على الاستماع حتى اتبين ما يريد هؤلاء أقواله وما سيقدمونه من حلول عملية لإثارة التفكير الفلسفي واثارة الدرس الفلسفي الذى يحفز على التفكير النقدي وكيف نجعل منه اداة لانعاش العقل الجزائري على تجاوز السطحي والرتابة والعيش الراكد والبلادة المتحجرة على انقاض ماض متكلس ضاع في دهاليز البحث عن هويات مفقودة ضعضعها الخواء من ارث معقولا.
والتخلف المتقدم يوميا صوب التفكك والضياع والرداءة في التصور والتصرف إلى حد أصبح فيه التخلف ظاهرة اجتماعية لا يبعث عن القلق بل تزيد انغماسا في وحله والجميع يستطيب عفنه بسعادة بالغة لا نفيق منها إلا بعدما نفقد مؤهلات البقاء من الوجود بسيادة وحرية… والعلي استمع إلى حلول عملية يمكن أن تحقننا بمصل الشك والتساؤل الذي يقود إلى تلمس على الأقل أشعة الحقيقة لآني أعرف أن الحقيقة شمس باهرة وحارقة لعقل العامة حيث الفو الاستكانة إلى الظلام والكسل العقلي لما فيه من دعة وراحة المألوف من المعتقد ونمط الحياة الموروثة أو حتى لا يقلق من وهج الحق لان القلق يذهب السهاد ورفقة العباد ويخرجه من وهم العيش في جنة الأبله أي كما يقول المتنبي [فذو العقل بشقى في النعيم بعقله * وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم]
وليتني لم أستمع لأن الهالة التي كانت في مخيلتي عن معهد الفلسفة في الجزائر وما أكنه من احترام لأساتذته من أيام دراستي فيه اضمحلت وذابت ٠ كذوبان صورة من الماضي نحاول أن نرمم خدوشا خربشتها أظافر الزمن المنساب
وعندها قلت في نفسي إذا كان مثل هذا الحديث المهلهل وهذا التفكير السطحي المبعثر يصدر عن أساتذة بهذا النوع لا أقام للفلسفة قائمة في واقع الجزائر وحق لمنكري التفلسف أن يصدقوا بأعذارهم وأقوالهم التي تبتغي دفن الفلسفة وإطفاء شموعها الواهنةالاحتراق والضياء، ذلك أنى لم أسمع إلا ثرثرة من خلال لغة ركيكة وليتها كانت تشبه ثرثرة أبطال نجيب محفوظ المزطولين فوق النيل أو ثرثرة المتثيقيفين والمتفبهيقبن في المقاهي….
وعليه ما سمعته لا يستحق أن يلوث به أدنى مثقف عصامي صماغ أذنيه وذلك لأمرين هما
أولا/ من حيث اللغة
أن اللغة هي مقياس بسط الفكر على مستوى المعارف والمشاعر على مستوى الأحاسيس والعواطف وهذا ما يجعلنا ننجذب للغة هذا الشاعر أو الأديب لأنه تكلم على ما يوجد في ذواتنا بطريقة من اللغة لا نعرفها ونندهش لهذا المفكر لأنه كشف لنا عن أفكار أو طريقة تفكير لم نكن نعرفها بلغة تخاطب كل مستويات العقل حتى تترقى به إلى مستوى أفضل وأوضح ٠٠ ولذلك كانت اللغة التي يتكلمون بها لا أقول فلسفية أو علمية أصلا أو من السهل الواضح القابل للفهم أو عامية توصل مقصدا وإنما لا تعكس الموضوع الذى نتاولنه بحيث استمعت الى من يقول الجملة تم يفسد تركيبها ويهدم مقصدها بجملة اغرب من سابقتها ويريد الاحاطة بمعنى ثم يدلى بمعنى اخر اكثر غموضا ينتقل على عجل من إسم الى اخر ومن فكرة الى اخرى بلا رابط منطقي بينهم ٠٠ فلا يفهم بأي مستوى من لغة يتكلمون واي سامعين يقصدون وأي معان يبتغون تبليغها..
ثانيا/ من حيث المضمون
لا تقذر أن تحدد المشكلة أو الإشكالية المطروحة من أحاديثهم والحلول المقترحة لها أو على الأقل التي يجب التفكير فيها فلم أسمع إلا كلمات تقفز من أفواههم فقزا بهلوانيا لا حبل تحته… وفي الأخير عندما يسأله زميله كيف نفعل الفعل الفلسفي في الواقع الجزائري يتوارى خلف شروحات وصف نفس الواقع (مجتمع ٠٠ تفكير سياسة ٠٠ عندهم وعندنا ٠) ٠٠٠ لم أفهم مقصدا منهم وتعود حليمة لعادتها القديمة لحكى تاريخ الأفكار وقال فلان وقال علام مثلا ما هو شائع في طريقة تفكيرنا ٠٠٠ يا أيها الذين تريدون للدرس الفلسفي أن يؤدي فعله وأن يكون للعقل الفرد الجزايري دور في الإبداع والنهوض الاجتماعي والفكري فإن سرد تاريخ الأفكار لا يصنع مفكرا أو فيلسوفا إلا إذا أتى بأفكار جديدة ٠٠ وأخيرا يقول الصحافي وكأنه اكتشف الحل السحري: (أرمو بالفلسفة في المجتمع سيحتضنها) وكان التفكير الفلسفي ا بطاطا توزع على الناس في قارعة الطرق
يا سيدي أن التفكير الفلسفي عمل عقلي جبار لا بد من تأسيسه بترو من خلال جمع الفاعلين في ميدان البحث والفكر وخاصة المدرسة التي تكون مهمتها غرس روح النقد والحوار والتفكير العميق الذي لا يستسلم للثقافة الموروثة والجاهزة حتى وإن كانت من السماء إذا لم يكتشف بعقله أنها من السماء ومناط ذلك كله أن نعلم أبنانا أن التساؤل المنهجي أفضل من الجواب الجاهز وان المعرفة نتاج تفكير وليست معطى موروثا والفعل الفلسفي هو تنزيل هذه الذهنية إلى مستوى جميع المتعلمين
درس فلسفي أو بالأحرى دروس فكرية تدرب العقل على استثمار ما أودعه الله فيه من قواعد ومبادئ ومن هبات التفكير والذكاء والخيال والابتكار والتغيير يتم فبها التميز بين الحق والباطل والصحة والخطأ حيث تؤهله إلى أن يكون إنسان يملك بصرا وبصيرة…
درس يرتقي بالمستوى العقلي لأفراد المجتمع إلى درجة يقدر على العيش في مناخ من التقدم العقلي والعلمي ينعكس على حياته الاجتماعية واليومية بالتفكير بطريقة يتجاوز فيها العادات البالية والتقاليد المعيقة وأساليب التفكير الخرافي والتدين المغشوش الخالي من الروحانية والإيمان الخالص لله وحده..
لقد بين لنا القرآن الكريم في كثير من آياته أن عدم النضر والتدبر والتأمل والتساؤل هو ما بجعل المخلوق الأدبي عرصة للضباع في الظنون والأوهام والجهالات المهلكة له حيث تورده الخسران في الدارين قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون..! وفي الأخير نقول صحيحا إننا نحتاج إلى أطباء يعالجون أمراضنا ومهندسين يخططون شوارعنا ومزارعين يوفرون غذاءنا ولكن أيضا نحن في حاجة ماسة إلى مواطنين يملكون درجة من الوعي والعقلانية واليقظة والنباهة وذلك لا يوفره النظام تربويا يرتقي بالفرد إلى مستوى راق من التعقل والأخلاقية والتذوق الجمالي والإيمان النقي والتدين الصحيح والحياة الجماعية الآمنة ولا يتسنى ذلك إلا بتربية ذهنية وروحية يوفرها الدرس العقلاني المتبصر والهادف…
سراي مسعود