أقلام

مقاربات ورؤى.. القراءة وصناعة الجهل كيف نقرأ ؟

لا شك أن عماد كل تقدم حضاري بشري كان أساسه إشاعة القراءة للكتب بين الناس ولذلك يعد الكتاب الوسيلة الأفضل في التواصل بين الأجيال مع الماضي وفي الحاضر لما تحمله من خزان تراكمي للمعارف والتجارب البشرية ولأهمية القراءة ولأنها خاصية يتميز بها الإنسان وحده من حيث انه كائن يقرأ و يفكر فان القرآن الكريم لم تنزل فيه أول كلمة بصورة اعتباطية وإنما لأهميتها كانت بصيغة الأمر لرسول الله. وكأنه فريضة تعبدية لا تتحقق جميع المقاصد الأخرى إلا بها و من حيث انه مرسل أمي يبشر وينذر العالمين “اقرأ باسم ربك الذي خلق؛ الإنسان من علق؛ اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ؛علم الإنسان مالم يعلم…..” .فالقراءة والقلم والتعليم والعلم والكتاب عناصر مرتبطة ببعضها البعض ارتباط عضوي وضروري‪…‬‬
‪ .‬والواقع أن قصة الحضارة والإنسانية على مد التاريخ هو “الكتاب “وأهم فصل فيها هو أن تحقيق التقدم والقوة والنمو لم يكن إلا عند الشعوب والأمم المدمنة على القراءة والتفكير وتأليف الكتب في كل ميادين الحياة ومظاهرها ولذلك أدركت الدولة الحديثة مع بداية عصر النهضة الدور الحاسم للقراءة والكتاب في رقي المجتمعات وتطورها وأثرها الكبير في ذلك، فرصدت المال واشاعت صناعة الكتاب و الجرائد والمجلات وشجعت على الإبداع والتأليف والقراءة وأقامت المعارض والمظاهرات لعرض الكتب بحيث اصبح تباع بأسعار زهيدة تتيح لجميع الطبقات المجتمعية اقتناؤها وذلك لما للقراءة والكتاب من فوائد جمة في أحداث التغيير والتطور وتربية الأجيال على اكتساب المعرفة والعلم ونشر الوعي الذي يمكن الإنسان من العيش كإنسان واعي وعاقل وصالح وللحد من مساوئ الجهل والتخلف منبع الضرر والشر والهوان الضعف‪ ..‬‬‬
كما أن التاريخ يؤكد انه كلما تفشت الأمية التي هي جدة الجهل و كلما انحصرت القراءة والكتاب كلما تفككت عرى المجتمع وانتشرت الهمجية والتوحش ومختلف الآفات الاجتماعية التي أدت الى سقوط دول وحضارات واقرب مثال ألينا الحضارة الإسلامية التي أفل نجمها وغابت شمسها حيث دخلت في عصور الانحطاط والظلام والضعف الى درجة شلت فيها أطرافها وهانت سمعتها وتداعت علي قصعتها الأمم فكانت لقمة سهلة المنال وذلك كله لأنها لم تعد تقرأ ولم تعد تكتب الكتاب فتكلست عقول نخبها حيث اكتفت بشرح المتون والتعليق على الحواشي وكتابة الهوامش‪ ‬.‬

القراءة الواعية والهادفة

إن فعل القراءة ليس مجرد فك للحروف والكلمات أو مهارة قراءة ما كتب في الأوراق والصفحات إنها أداة. اكتساب المعارف والعلوم في مختلف الفنون واطلاع على تاريخ التجارب الإنسانية ولذلك لابد من أن يصحب تعلم القراءة للكتاب أن نتعلم كيف نقرأ ؟وماذا نقرأ.؟ حتى تصبح القراءة عملية تغيير في الوعي والسلوك لأنها جذر تشكل معرفة الحقيقة و بناء التصورات. ومبدأ تحقيق النهوض الحضاري واكتساب المناعة للوقاية من الجهل والتخلف و الحصن المنيع ضد الاختراق الهوياتي والغزو والثقافي‪ .‬‬
إن التفاوت بين الشعوب في القوة والتقدم هو تفاوت في قدرة أفرادها على قراءة الكتاب الجيد المفيد وشيوع العلم النافع والثقافة الرزينة المربية للذوق الإنساني الرفيع والحس الفني الراقي ولذلك تجد أن المدرسة الجيدة والناجحة والجامعة المثمرة والنوعية هي التي تعلم القراءة والإبداع بصورة جيدة حيث تنتقي للنشأ عن دراسة عميقة ووعي متبصر وشعور كامل بالمسؤولية في مهامها و لكل مراحل العمر و الطبقات الاجتماعية ماذا يجب أن يقرأ من الكتب والمؤلفات والفنون مراعية في ذلك توازن بين مبدأ حرية التفكير والرأي حتى لا تنطفئ شعلة الإبداع وبين حماية الأجيال من الانحراف الفكري الذي يشيع التطاحن ويهيج الغرائز والشهوات البهيمية وعليه فإن المجتمعات الراقية تحاول دوما أن تترقى في القراءة والإبداع بأفرادها لما فيه منفعتهم وتحسين ظروف حياتهم ورفاهيتهم وأمنهم وسلامتهم وهو دور النخب المثقفة

دور المثقف والنقد الثقافي في القراءة والكتاب

إن المعارض الدولية للكتاب من المظاهر الثقافية والتعلمية المهمة التي تساهم في ترقية ونمو المستوى المعرفي والثقافي والعلمي للمواطنين والسمو بمستواهم الفكري والأدبي والديني وبالتالي فان المثقفين والنخبة المفكرة هي المسؤولة عن المضامين والمحتويات التي تحقق هذا الهدف
‪ ‬فكما تراعي الدولة صحة الأبدان من خلال متابعة الشروط الصحية للمواد المعروضة في الأسواق فأيضا هي مسؤولة عن متابعة شروط السلامة العقلية والمعرفية لمواطنيها والا أصبحت المعارض مجرد دكاكين لنشر وبيع الخرافة والأكاذيب والتفاهات والانحرافات الثقافية والدينية والعقلية والأوهام وذلك خطر جسيم يهدد الأمة في هويتها وثقافتها ووجودها في مستقبلها‪ .‬‬‬
لقد هال بعض المثقفين وهم يتجولون في أروقة معرض الكتاب المقام في العاصمة الجزائرية إقبال الحشود على احد الكتاب السعوديين ملتفين حوله وهو كاتب روايات خيالية، يهللون ويصفقون مجذوبين بكلماته التي تحملهم إلى عوالم لا وجود لها، يقتحمونها من باب الخيال، متناسين عن قصد أو بدون وعي، التاريخ الحقيقي، والأحداث التي شكلت مصيرهم ومصير أوطانهم. ولاشك إن هذا المشهد أوجع وادهش كثير من المثقفين والباحثين الجادين والروائيين المحترمين فعندما تشاهد ركن الدكتور محمد أمين بلغيث حيث يجلس عالمُنا والمحقق التاريخي شبه مهجور، إلا من أفراد يعرفون قيمته وأهميته حيث يحمل في ذهنه ومؤلفاته ذاكرة أمة بأكملها، وحقائق عن حياة أبطال وإحداث ملاحم من تاريخ هذا الوطن شكلوا ضميره . يجلس وحده، كما لو أنه يروي للعالم حكاية شعب يُدير عنه بصره، شعب طالما غفل عن أبنائه العلماء، متناسيًا ميراثه الثقافي وعمقه الحضاري.لقد قال أبو القاسم سعد الله في كتابه تاريخ الجزائر الثقافي، معبرا بمرارة عن هذا الاستلاب والغربة “اشتهر الجزائريون منذ القديم بأنهم لا يقيمون وزناً لعلمائهم، ولا يعترفون لهم بحرمة أو عهد.” فقامة مثل الباحث بلغيث و قامات من المبدعين الجزائريين مكتشفون ومخترعون وأدباء وروائيين وعلماء دين مهتمين بميراث ورفعة وطنهم وبثقافته شحذوا أقلامهم وعصروا أذهانهم وخصصوا كل أوقات حياتهم يشبهون غابة نخيل مثمرة لكنها في أرض جدباء، لا أحد يلتفت إليها، لانهم لم يتذوق أبدا حلاوة تمورها ذلك لأن الناس مقبلة على كتب الطبيخ وأراجيف الكهان وقصص خرافات الجن وبائعي الآمال الكاذبة و أوهام التداوي بالأعشاب وإخراج الجن الساكنة في النفوس المريضة وتمائم الحسد والبغض و مطويات الطالع وكتب برمجة الأعصاب وتنمية القدرات البشرية الجنسبة والذهنية وكيف تكون أسدا !وناجحا! بالشطحات التأملية غير العقلية وتمارين قطع الأنفاس بالزفير والشهيق خلال دورات التنمية المزعومة …..التي هي دورات تنمية إسهال واستسهال للبلادة والكسل‪ ..‬‬
فلاشك أننا نعاني أزمة في القراءة ،حيث لم ننجح في تعليم الأجيال كيف تقرا؟ وماذا يجب أن تقرأ ؟وماهي الكتب الهادفة والممتعة فنيا والنافعة للقراءة ؟! وكيف تميز بين الكتب التي تصنع الجهل والرداءة والتفاهة وتهدم الوعي العقلاني وتفسد الحس والذوق الجمالي والفني والكتب التي تدفع الى المزيد من النهوض الحضاري وتساهم في تنمية الذكاء والوعي وتصنع الإنسان الصالح الناجح
والخلاصة أن القراءة ضرورية وإقبال الناس عليها أمر ممدوح ولكنها أن لم تكن ممحصة بغربال الحقيقة والمعايير الأدبية الفنية و الحقيقة العلمية فإنها ستكون مصنعا للجهل والحماقة والتخلف حيث تصبح مضارها أخطر من الجهل نفسه وكما يقول احد المفكرين أن قراءة الكتب الفاسدة لا تنتج إلا مفكر فاسد وبالتالي مجتمع فاسد والمصيبة الأكبر يعتقدون انهم على صواب‪ …‬‬

‪ ‬سراي مسعود‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى