
اهتدت سبعة دساتير عربية إلى دسترة مؤسسة الأوقاف وهي دساتير الجزائر والعراق والأردن وليبيا وموريتانيا والسودان واليمن. فيما قامت أربعة دساتير عربية فقط، بدسترة فريضة الزكاة، وهي دساتير ليبيا، والسعودية، والسودان، واليمن.
- فيما يتعلق بالأوقاف
أقرّ دستور الجزائر أنّ “الأملاك الوقفية وأملاك الجمعيات الخيرية معترف بها، ويحمي القانون تخصيصها” (أنظر القانون رقم 91–10 المؤرخ في 10 أبريل 1991، يتعلق بالأوقاف، المعدل). تستمد أحكام هذا القانون من الشريعة الإسلامية، ويرجع إليها القاضي في غياب النص، مع التذكير أن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف هي المسؤولة عن تسيير أملاك الوقف بالجزائر. عكس ذلك، نص الدستور العراقي على أنّ “أتباع كل دين أو مذهب أحرار في إدارة الأوقاف وشؤونها ومؤسساتها الدينية، وينظم ذلك بقانون”. وقد تم فعلا في سنة 2012 إصدار ثلاثة قوانين تتعلق بديوان الوقف السني (القانون رقم 56 سنة 2012.) وديوان الوقف الشيعي (القانون رقم 57 سنة 2012) وديوان أوقاف الديانات المسيحية والأيزيدية والصابئة المندائية (القانون رقم 58 سنة 2012.). وجاءت هذه الدواوين لتحل محل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية العراقية التي تم حلها، وترتبط هذه الدواوين مباشرة بمجلس الوزراء.
ينص دستور الأردن على الاختصاص القضائي للمحاكم الشرعية التي تفصل كذلك في المسائل المتعلقة بالأوقاف الإسلامية؛ تُحدد هذه المحاكم بقانون كيفية تنظيم أمورها وإدارة شؤونها المالية (القانون رقم 32 سنة 2001، المتعلق بالأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية). كذلك نص الدستور الأردني على الأوقاف المنشأة لمصلحة الطوائف الدينية الأخرى والمعترف بها قانونا (القانون رقم 28 سنة 2014، المتعلق بمجالس الطوائف المسيحية)، وهي طوائف مسيحية. نشير إلى أن الحكومة الأردنية تضم وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية المكلفة قانونا بتسيير الأوقاف عن طريق مجلس يرأسه الوزير، ويضم المفتي العام للمملكة وممثلين عن مؤسسات الدولة.
دسترت ليبيا هي الأخرى الأوقاف، جاء في دستورها أن “للأوقاف حرمتها، ولا تختلط بأموال الدولة، ويمنع التصرف فيها، إلا بإذن من المحكمة المختصة بما يحقق مصلحة الوقف، وفي حدود ما تسمح به الشريعة الإسلامية”. الأوضاع السياسية الحالية بليبيا لم تسمح بإصدار قانون جديد للأوقاف ليحل مكان القانون القديم الذي ينتمي للعهد الجماهيري (القانون رقم 124 سنة 1972). أقرّ الدستور الموريتاني أنّ “الأملاك الوقفية وأملاك المؤسسات الخيرية معترف بها ويحمي القانون تخصيصها”. ولازال قانون الالتزامات والعقود (الأمر القانوني رقم 89–126 1989، المعدل. المواد من 816 إلى 818) الصادر في 1989 هو المنظم للوقف بموريتانيا، الذي يعود تسييره للمؤسسة الوطنية للوقف التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي. عبّر الدستور السوداني عن الوقف بطريقة غير مباشرة، حيث جاء فيه أنّ “الدولة تحترم الحقوق الدينية المتعلقة بإنشاء وصون المؤسسات الخيرية والإنسانية المناسبة، وتَمَلُّك وحيازة الأموال الثابتة والمنقولة وصنع وحيازة واستعمال الأدوات والمواد اللازمة المتعلقة بطقوس أو عادات أي دين أو معتقد”. وتُسيّر الأوقاف الإسلامية في السودان بمقتضى قانون ديوان الأوقاف القومية الإسلامية الصادر في 2008 (القانون رقم 16 سنة 2008). ويؤكد ذات القانون أن أموال الأوقاف تُدار في إطار الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية.
أخيرا، نص الدستور اليمني على أنّ “للأوقاف حرمتها، وعلى القائمين عليها تحسين وتطوير مواردها وتصريفها بما يكفل تحقيق أهدافها ومقاصدها الشرعية”. وتُسيّر الأوقاف باليمن بمقتضى قانون الوقف الشرعي (القانون رقم 23 سنة 1992) الذي استمدّ أحكامه من الشريعة الإسلامية، وأكدّ ذات القانون العمل بأقوى الأدلة في الشريعة الإسلامية في غياب النص.
البلدان العربية التي لم تنص دساتيرها على الأوقاف، وبخلاف تونس، أرجأت ذلك إلى القوانين ومنها على سبيل المثال البحرين، الذي خصص أحكاما للوقف بالقانون المدني البحريني (القانون رقم 19 سنة 2001)، ومصر الذي يرجع قانونه المتعلق بالوقف للعهد الملكي (القانون رقم 48 سنة 1946)، والمغرب الذي اعتمد مدونة الأوقاف (صدر بمقتضى ظهير شريف رقم 1.09.236 المؤرخ في 23 فبراير 2010)، وقطر الذي أصدر قانون الوقف في 1996 (القانون رقم 8)، والسعودية التي نظمت الأوقاف بمقتضى المرسوم الملكي الموافق على نظام الهيئة العامة للأوقاف (المرسوم الملكي رقم 11 المؤرخ في 9 ديسمبر 2015).
تبقى تونس حالة عربية خاصة فيما يخص الأوقاف، لقد قام الرئيس الراحل لحبيب بورقيبة -غداة الاستقلال- بإلغاء الأوقاف العامة وحل جمعية الأوقاف ودمج العاملين بها في قطاع الدولة. بعد ثورة الياسمين، حاول التيار الإسلامي بقيادة حركة النهضة، داخل المجلس التأسيسي وبمعية علماء الزيتونة إحياء الأوقاف الإسلامية، وذلك عن طريق اقتراح مشروع قانون قوبل بالرفض من قبل أغلبية النواب، خاصة وأن التيار الإسلامي كان هدفه من خلال هذا المشروع، حسب العلمانيين، إحداث دولة داخل دولة قصد التحكم في المجتمع ومن ثمّ على أصوات الناخبين.
- فيما يتعلق بركن الزكاة
تجنبت أغلب الدساتير العربية دسترة فريضة الزكاة؛ فقط أربعة دساتير نصت عليها. دستور ليبيا كلّف الدولة بالإشراف على تحصيل الزكاة وإنفاقها في مصارفها الشرعية، وعدم خلطها بالإيرادات العامة. نشير إلى أن آخر قانون ليبي للزكاة صدر في 1997 (القانون رقم 13 سنة 1997)، أي في العهد الجماهيري، ويُلزم المكلف بدفع جميع أموال الزكاة إلى الهيئة العامة لشؤون الزكاة بخلاف زكاة الفطر التي تبقى شأنا خاصا. النظام الأساسي للحكم السعودي نص على جبي الزكاة وإنفاقها في مصارفها الشرعية، وكلّف المرسوم الملكي رقم 40 الصادر في سنة 1985 الهيئة العامة للزكاة بتجسيد هذه المهام الشرعية.
نصّ الدستور السوداني على أنّ الزكاة فريضة مالية على المسلمين، وينظم القانون في الولايات الشمالية (طبعا قبل انفصال الجنوب) كيفية جبايتها وصرفها وإدارتها. وقد أصدر المُشرّع السوداني في 2001 قانونا للزكاة (دون ترقيم) تمّ بمقتضاه إنشاء ديوان مكلف بتطبيق فريضة الزكاة، وجمع وصرف الصدقات بما يحقق طهارة المال وتزكية النفس، كما جاء في متن القانون. أخيرا، كلّف الدستور اليمني الدولة بتحصيل الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية وفقا للقانون، وقد تم إصدار هذا القانون (القانون رقم 2) في سنة 1999، وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، وفوّض مهام جبي أموال الزكاة وصرفها إلى مصلحة الواجبات الخاضعة لوزير المالية.
تتباين القوانين العربية في مسألة الزكاة؛ أغلب الدول العربية فوّضت المهام لوزارة الشؤون الدينية التي تلعب دور النصيحة والفتوى في تحديد النصاب حسب العملة الوطنية، باعتبار أن الزكاة عبادة ولا تلزم المواطن بدفعها بقوة القانون، وتكتفي هذه الدول بإنشاء صناديق للزكاة تُدفع لها الأموال طوعا لا كرها، وهو على سبيل المثال، حال الجزائر وجيبوتي ومصر والعراق والمغرب وتونس. بينما قامت بلدان أخرى بإصدار تشريعات ألزمت فيها مواطنين وشركات بدفع نصاب الزكاة للخزينة العامة وفوضت وزير المالية بجبي الأموال، وهو على سبيل المثال حال الكويت التي أصدرت قانون رقم 46 لسنة 2006 في شأن الزكاة ومساهمة الشركات المساهمة العامة والمقفلة في ميزانية الدولة.
نشير في الأخير أن كل الدول العربية بما فيها المملكة السعودية نصّت على الضرائب والرسوم وألزمت مواطنيها بدفعها تحت طائلة العقوبات. إنها غلبة القوانين الحداثية في ميدان المالية على كل ما هو تقليدي وتراثي.
ملاحظة: المقال مقتبس من مشروع كتاب حول “الظاهرة الدينية في الدساتير العربية” قد يصدر في نهاية السنة.
محمد سعيد بوسعدية: باحث حر