القيم الإنسانية كنز عظيم من المبادئ التي تحدد مسار الحضارة الأخلاقية بجميع مفاهيمها ومكملاتها, في إطار خلق أطر وتوازنات مجتمعية بين الشعوب في العالم وربط علاقات حسنة بين الدول سياسية واقتصادية ،وفكرية وثقافية, لا يكون فيها تغول طرف على طرف, كما يكون فيها هامش للمساعي الحميدة لفض النزاعات و بحيادية دون الاستمالة لأي طرف على حساب طرف آخر, كما تكون المحفز والباعث على الارتجال لنشر ثقافة التسامح والتعايش السلمي ونشر الطمأنينة بين الشعوب المغلوبة على أمرها ومد يد العون لها, والوقوف مع القضايا العادلة في العالم, كما نستطيع أن نطلق على هذه القيم الإنسانية بالمبادئ السامية التي تحدد مجمل التعاملات بين الأفراد والمؤسسات, وفي مجمل مكونات جيوبها المؤثرة إحسان تسانده العدالة والحرية وتمده بالرحمة لأنها إن نزعت من القلب زادته قساوة, والراحمون يرحمهم الله ويسدد خطاهم, فهذه المعاملات الأخلاقية لا تفرق بين الأشخاص والدول على أساس الدين أو العرق, فلا مجال للعنصرية في قاموس القيم الإنسانية.
أمريكا تمارس سياسة الهروب للوراء بخصوص القضية الفلسطينية والحرب على غزة, و تروج لبضاعتها العنصرية القديمة بمكياج زائف, أرسلت وزير خارجيتها للمرة الخامسة, ولكنه بمجرد نزوله بالمطار ولقائه مع مجلس الحرب المصغر أصبح صهيونيا وعنصريا أكثر منهم, كما صرح بإنه يساند العدو الصهيوني في حربه على حماس, لقد بقيت أمريكا في غيها القديم وهو مساندة الكيان الصهيوني في القضاء على استقرار المنطقة وإدخالها لبيت الطاعة, وهذا يفهم من خلال كلامه عن ملف التطبيع الذي لم يغلق, وهذا ما يريده الغرب الفاقد للقيم الإنسانية.
يجب أن تعرف الأمة العربية والإسلامية أن تاريخ الغرب ملطخ بدماء الأبرياء ولن يتغير وخاصة أمريكا لا تستطيع أن تخفي دعمها المطلق للكيان الصهيوني, فكل مناوراتها ما هي إلا ذر للرماد على العيون مع ممارسة سياسة متناقضة, فمنذ انطلاق الحرب البرية في غزة وسقوط أكثر من 23000 شهيد أعظمهم من الأطفال والنساء, فماذا تغير؟, زاد التجويع والترحيل القسري والقصف العشوائي للأبرياء والاغتيالات والتمثيل بالجثث وتركها عرضة للكلاب الضالة, واستهداف الصحافيين وتركهم ينزفون عمدا حتى فارقوا الحياة, وقصف المستشفيات والمرضى, تصريحات هنا وهناك مع استعمال حق النقض, هل توقفت الحرب؟, وهل تم إدخال المساعدات الإنسانية؟, بشهادة المنظمات الدولية الوضع في غزة صعب جدا والرحمة والقيم الإنسانية تقتضي تضافر الجهود لوقف الهمجية الصهيونية واستهداف الأبرياء.
القيم الإنسانية تم تشويهها من طرف الغرب منذ زمن بعيد وقد سجل التاريخ كل فصولها, فكيف لمن يداه ملطخة بالدماء أن ينتقد أو يتكلم عن الواجب والخطأ, فعليه أولا أن يصحح مساره الإجرامي بالتوبة والاعتذار عن مجازره المقترفة في حق الأبرياء, وبعدها يطوي الصفحة دون تمزيقها ويكون قدوة تؤهله للاندماج في الفضاء الأخلاقي الدولي ويعيد تموقعه سياسيا لتشمله هالة القيم الإنسانية ويكون طرفا مؤثرا في معادلة القضايا العادلة.
ما يحدث اليوم في العالم من تصعيد متعمد وحروب باردة وتخابر وجوسسة وزرع الفتن والقلاقل في آسيا وأفريقيا و تموقع استراتيجي و جيوسياسي واستعمال للتكنولوجيا المتطورة للتحكم في المناخ والسيطرة على المياه وامتلاك للأسلحة ذات الدمار الشامل, وتسخير السفن العملاقة النووية لنقل الطائرات, والبوارج الحربية والغواصات من أجل إخافة بعض الدول وردعها قصد إدخالها في قوقعتها, واستعمال الأكاذيب للحصول على مكاسب سياسية يعتبر سياسة إرهابية القصد منها تمرير مخططات امبريالية مصلحية دون عناء, وهذا مايسمى بتشويه القيم الإنسانية والخروج من دوائر تأثيرها الأخلاقية والروحية والانتماء إلى أقطاب الماديات, فالخوف من توسيع رقعة الحرب كذبة لا يتقبلها العقل ولا يصدقها لبيب.
بلخيري محمد الناصر