أقلام

منظومة الأخلاق والعلاقة بالبقاء

د. بن عجمية بوعبد الله أستاذ جامعي وكاتب صحفي

 

لطالما كان ولا يزال موضوع الأخلاق في تاريخ المجتمعات البشرية موضوعا ذو أهمية بالغة بين مؤيد لحضوره في المشهد عموما وبين محدد له بضوابط وما بين ناكر له نكرانا ذو خلفية إيديولوجية، لكنه أبدا ما تم تجاوزه من قبل النخب والحكام والشعوب على السواء إما بالجدل أو النقاش أو التأصيل سواء السياسي أو العلمي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الحضاري… إلخ.

وملخص النقاش الذي كان ولا يزال يدور حول موضوع الأخلاق يمكن تلخيصه في التساؤلات التالية التي دوما ما تتكرر عندما يطرح موضوع الأخلاق للنقاش أو الجدل بين المؤيدين أو المعارضين ليس بالضرورة للأخلاق ولكن لمصادرها وخلفياتها المختلفة:

  • هل فعلا الأخلاق مهمة في حياتنا؟ أم أن القوانين الناظمة لسلوكياتنا تكفي بردع المخالفين وبمكافأة المنضبطين؟
  • هل للأخلاق علاقة مباشرة بالبقاء البشري وديمومة الإنسانية؟ أم أن البقاء أمر يخضع للطبيعة والسنن الكونية وقانون السببية ولا علاقة للأخلاق بذلك؟
  • هل الأخلاق هي محل الجدل بين الرفض والقبول؟ أم أن خلفياتها ومصادرها ومن يقفون على تسويقها هو موضوع الجدل الحقيقي؟
  • هل منبع الأخلاق الرئيسي هو الأديان التي ركزت كثيرا عليها؟ أم أن الإنسانية وتراكمات تجاربها هي التي أصبحت مصدرا ومحفزا رئيسيا للأخلاق البشرية؟
  • هل كل مناحي الحياة ومجالاتها يجب أن تخضع للأخلاق؟ أم أن هناك استثناءات حاول الفكر البشري بسلوكياته المختلفة أن يجرد البعد الأخلاقي منها كالسياسة مثلا؟
  • ما علاقة الاخلاق بالحرية؟ وهل وجود الأخلاق في حياة البشر والمجتمعات هو تقييد للحرية أم ضابط مشروع ومنظم لها؟
  • هل الأخلاق في حياتنا أمر فطري يولد مع الانسان؟ أم أنه مكتسب من البيئة التي يخلق فيها الفرد؟
  • هل الأخلاق موحدة ومتفق عليها في جميع المجتمعات؟ أم أن لكل مجتمع أخلاقه وفقا لثقافته أو دينه أو أنظمته السياسية والاجتماعية السارية المفعول؟
  • هل الأخلاق قوانين تسن؟ أم قيم تتوارث بين الأجيال والمجتمعات والحضارات؟

تجدر الإشارة في البداية أن موضوع الأخلاق كقيمة يجب أن تكون محل اتفاق بين كل الحضارات والمجتمعات والشعوب والنخب ولكن الإشكال يكمن في مصدرها، فالمجتمعات الملحدة مثلا أو العلمانية لا تتحمس كثيرا إلى أن مصدر الأخلاق هو الدين على خلاف المجتمعات ذات الخلفية الدينية والتي تركز على أن الخلق هو ديني بالأساس، كما أن المجتمعات المادية التي تؤمن فقط بأن الحياة ربح مادي ومالي وتجاري فالأخلاق فيها تنحصر بحكم هذه القناعة على خلاف الدول والحضارات التي تؤمن بالقيم المعنوية والأخلاقية أولا كمصدر رئيسي للرقي والبقاء.

 كما أن الدول والحضارات القائمة على الهيمنة والتوسع ينحصر عندها البعد الأخلاقي لأنه أصلا التوسع والهيمنة والاحتلال وحكم الآخرين بالقوة هي أعمال غير أخلاقية، وبالتالي الخلفية التي تستند عليها المجتمعات ونظمها المختلفة هي التي تعزز من موقع الأخلاق أو من تراجعها، والتاريخ البشري يخبرنا على كثير من التجاوزات كما يخبرنا في المقابل على العديد من المحطات المشرقة التي كانت الأخلاق عنوانها الأبرز ومحركها الرئيسي.

إن أهم بعد يجب أن نسجله أن للأخلاق علاقة بالبقاء فالمجتمعات والأفراد التي لا أخلاق لهم انقطعت مسيرتهم الحضارية والسياسية ولم يخلدهم أو يذكرهم التاريخ إلا بالأشكال السلبية التي لا تشرف أبدا، لكن ومهما كانت الاختلافات حول هذا الموضوع إلا أن هناك أخلافا تعارفت عليها الإنسانية منذ منشئها مهما كانت خلفياتها الدينية أو السياسية أو الاجتماعية أو العلمية أو الثقافية أو الحضارية ويمكن حصر أبرزها في الأخلاق التالية:

أخلاق السياسة: على خلاف ما يروج له بأن السياسة ليس بالضرورة أن ترتبط بالأخلاق وإنما السياسي هو الذي بالضرورة يتجاوز البعد الأخلاقي للحكم أو السيطرة أو الهيمنة والتمكن، وهذا غير صحيح عمليا فالتاريخ يخبرنا بعديد التجارب السياسية في الحكم والنضال والتدافع السياسي وكانت في الوقت ذاته تحمل أبعادا أخلاقية غير مسبوقة كالصدق والأمانة والعدل والإنصاف وحماية المظلومين وإنصاف الحقائق وعدم التعدي على الآخرين، بالعكس تماما السياسة المرتبطة بالأخلاق هي السياسة التي تدوم وتنتج وتبدع.

أخلاق الحرب: وهي مجموع القيم التي وجب التنبه لها حتى عندما تشتد الحروب وتتزايد الصراعات بين أبناء المجتمع الواحد أو بين الدول والحضارات المختلفة، فالأديان مثلا تحرم في الحروب قتل النساء والشيوخ والأطفال وقطع الأشجار أو التنكيل بالحيوانات، لكن ومع ذلك خلد التاريخ حروبا مروعة كانت الأخلاق الضحية الأكبر ولا تزال حتى وقتنا المعاصر هذه التجاوزات وأمام الكاميرات وعلى الهواء مباشرة لأن الضابط الأخلاقي انعدم والوازع القيمي تراجع، سواء كان هذا الوازع ديني أو حضاري أو أخلاقي او ثقافي ولا يجوز تحت أي مبرر الاخلال بهذه الأخلاق والضوابط أثناء الحروب والاقتتال.

أخلاق المال والاقتصاد والأعمال: وتحييد هذه القطاعات الحساسة والمهمة في حياة الشعوب والمجتمعات من كل أشكال الاحتكار والجشع والهيمنة والسرقة والربا والرشوة والكسب الحرام، وخاصة سرقة ثورات وممتلكات الدول والشعوب الأخرى تحت مسمى الديمقراطية أو نشر الوعي أو العولمة وما الأزمات الاقتصادية المؤلمة التي شهدها تاريخ البشرية إلا دليل على غياب الأخلاق الضابطة لهذه الأنشطة والقطاعات.

أخلاق المعاملات المجتمعية: سواء كانت معاملات شخصية أو معاملات مرتبطة بأنشطة الحياة المختلفة داخل المجتمعات كالاحترام المتبادل بين الناس والصدق والنظافة والايجابية والمبادرة والعلم والاجتهاد واحترام الوقت وتقديس الأمانة والحب والحرية وتبادل المنافع واحترام الخصوصيات.

أخلاق العلم: وهي مهمة جدا في تطوير الحضارات وتنمية المجتمعات فالعلم جاء لتنوير الناس وتحسين مستوياتهم العلمية والثقافية والحضارية والمعيشية ولا يجوز بأي حال من الأحوال استخدام العلم لأغراض دنيئة فهذا يتنافى مع رسالة العلم الحضارية والمقدسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى