أقلامالأولى

من الخليج العربي إلى البحر الأحمر نفط وبارود وحرب مصالح!!

صالح عوضبقم: صالح عوض

حقول من الألغام في كل زاوية، و أيادي متشابكة أو متصارعة تتقاطر دما في كل ركن من منطقة يختلط فيها الإقليمي بالدولي والمحلي بالإثني، وتتبعثر القنابل و الثروة كما لو أن شيطانا مريدا وقف على رأسها، فلا الخليج العربي عاد عربيا كما كنا نتغنى به، ولا البحر الأحمر ظل بحيرة عربية كما كان، وبينهما نيران تأتي على كل شيء، وبجوارهما مصر مهددة عطشا، بعد أن خان ملك الحبشة مهمته فعمد الى بناء الحواجز المائية على نيل طالما ظنناه مصريا، وسودان العرب الذي طالما تغزلوا بأنه سلتهم الغذائية يوم الحاجة مكبل، وقد تآمر عليه الجميع ليقسموه ويبددوه ليركعوه أمام الصهاينة.. أما الصومال وجيبوتي وأريتريا فحدث ولا حرج.. وابحث حول الخليج و حول البحر الأحمر تجد الصهاينة هناك يقيمون العلاقات ويخترقون الأوضاع ويفجرون التناقضات.

إن محاولة رسم بانوراما للمشهد المترابط تدفع إلى البحث عن جملة الشروط الذاتية والموضوعية للواقع القائم الآن.. وهنا تصبح الجغرافيا السياسية و قوانين صراع النفوذ العالمي ومبررات الطموح الإقليمي أدوات مفيدة لمعرفة صيرورة الواقع.. وبنظرة إلى الخريطة يتضح لنا ان الخليج العربي والبحر الأحمر يحتضنان جزيرة العرب على ضلعها الثالث بحر العرب.. هنا تدور معارك حاسمة ومتنوعة بأدوات عديدة.. هنا الاستنزاف السرطاني الأكبر لثروة الأمة وروحها.

البحر الأحمر وباب المندب: هو بحر العرب بامتياز تقع على شواطئه فلسطين والأردن ومصر والسعودية واليمن والسودان وجيبوتي واريتريا و هو يمثل أهمية سياسية وأمنية وإستراتيجية قصوى للعرب فهو فاصل بين أسيا وإفريقيا وهو شبه بيت مغلق له بوابة في جنوبه “باب المندب” لطالما كان مفتاحها بيد البحرية العربية المصرية واليمينية لاسيما في مراحل الحروب كحرب أكتوبر 1973وهو يصل البحر الأحمر ببحر العرب وبالمحيط الهندي وفي شماله يتفرع الى : 1- خليج العقبة وصولا إلى فلسطين وما يمثله من عنصر خطورة إستراتيجية و2- خليج السويس حيث ينبثق عنه قناة السويس لتصل البحرين الأحمر بالأبيض بممر مائي غاية في الأهمية الإستراتيجية.. فأصبح البحر الأحمر بهذا الموقع والتميز الجيوسياسي مغريا للقوى الدولية والإقليمية وجاذب لصراع النفوذ واستسلم البحر بعد اتفاقيات كامبديفد الى الهيمنة الأمريكية التامة والتي كانت ضرورية بالنسبة للأمريكان لتأمين نقل 2 مليار برميل بترول من المنطقة الى العالم عبر بوابة باب المندب.. كما أصبح مهما للغاية للكيان الصهيوني لتشغيل ميناء إيلات المحتلة وكذلك لبدء تشغيل قناة السويس بعد اتفاقيات كامبديفد.. في هذه المرحلة يمكن القول ان هدوءا تاما في شمال البحر لاسيما عند موقع افتراقه للخليجين حيث صنا فير وثيران اللتين تنازلت مصر عنهما للسعودية و إيلات والسويس.. إلا أن الصراع احتدم في جنوبه “باب المندب” فبمجرد ما بدأت الإدارة الأمريكية انسحابها من المنطقة اهتزت الأوضاع الأمنية في الإقليم فتسارعت الدول الإقليمية لتنافس على واحد من اخطر واهم الممرات المائية.. فهنا حضرت السعودية بقوة كما حضرت إيران بقوة وكذلك الصهاينة والأمريكان والروس وسواهم.. حاولت السعودية ان تتجنب خطورة المضيق على تنقل نفطها فتوجهت لفتح طريق لها على بحر العرب من خلال الأراضي اليمنية وهذا ما عقد الاشتباك في المنطقة حيث حاولت إيران بقوة دعم الحوثي للسيطرة على باب المندب لتمارس من خلال ذلك ضغوطا مناسبة لرفع الحصار عن صادراتها النفطية و وضع قاعدة إستراتيجية لها في موقع حساس..حتى ان تركيا اقتربت من البحر الأحمر من خلال محاولتها إقامة قاعدة لها في جزيرة سواكن السودانية أما في جيبوتي فقواعد عسكرية لكل الدول الكبرى أمريكا والصين واليابان وايطاليا وفرنسا، كما ان للصهاينة قواعد ووجود امني مكثف في مفاصل الدول عند بوابة المندب.. جاء الدور على اليمن بعد الصومال دفع ثمنا غاليا لتصارع الدول الإقليمية والتنافس الدولي.. فلقد كان تفتيت الصومال المتاخم لباب المندب هو البداية من خلال صراعات داخلية أشرفت عليها الإدارة الأمريكية فأصبحت الدول المحيطة بباب المندب والبحر الأحمر جملة  في أتون التمزيق القبلي والجهوي كما حصل في السودان التي تواصل إنهاكها بحروب داخلية مزودة بسلاح وتدريب خارجي صهيوني وفرنسي بالإضافة للضغط السياسي والاقتصادي الأمريكي ولم يستقر الوضع بعد لأن أطراف التنافس الدولي والطموح الإقليمي لم يتفاهموا بعد على حصصهم في المضيق الحساس وفي البحر جملة..وهنا لابد من تدبر الوقائع بالقرب من شواطئ البحر الأحمر حيث مشروع المستقبل الجديد في السعودية و ترسيم الحدود البحرية المصرية السعودية و التحالفات التي سعت السعودية لتشكيلها ك” تحالف دول البحر الأحمر” المتشاطئة عليه ومقره “جدة” وذلك لحماية أمن البحر الأحمر وهي تشمل ضمنا دون التصريح الكيان الصهيوني.

الخليج العربي ومضيق هرمز: هو أشبه ما يكون ببحيرة عربية كبيرة يبدأ من بصرة العراق لينتهي بمضيق هرمز ولتتشاطأ عليه عمان والسعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت والعراق وإيران كان دوما مجالا للقلق الحدودي على ضفتيه ولم يستقر به الحال بحدود الا بعد خروج الحاميات البريطانية من دوله وإماراته وترسيم حدود تركت قنابل موقوتة فيه كعادة الاستعمار.. تكتنز المنطقة صراعات تخبو حينا وتلتهب حينا آخر كان أعنفها حرب العراق ايارن التي استمرت 8 سنوات وأعقبها العدوان الأمريكي الغربي على العراق وإسقاط دولته كما ان الأزمات المكتنزة بين دول مجلس التعاون الخليجي قبل ان ينهار وإيران سمحت لتحرك دول الخليج العربية الى الاستقواء بالأمريكان للحماية او توقيع صفقات خيالية لتأمين البلاد من خطر إيراني محتمل.. وفي هذه المساحة لعبت الإدارة الأمريكية كثيرا لابتزاز دول الخليج العربية و محاصرة إيران والتضييق عليها.. وأصبح الخليج مياه تحمل احتمالات المواجهات العسكرية بين البحرية الأمريكية والإيرانية التي أصرت ان تبقي الخليج مفتوحا للنفط الإيراني.. بلغ معدل التدفق اليومي للنفط في المضيق 21 مليون برميل يوميا في 2018، ما يعادل حوالي 21 بالمائة من استهلاك السوائل البترولية على مستوى العالم، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، مما يجعله أكبر ممر مائي في العالم.

ويؤدي عدم عبور ناقلات النفط في المضيق، حتى لو بشكل مؤقت، إلى تأخر في الإمدادات وارتفاع تكاليف الشحن، وبالتالي ارتفاع أسعار الطاقة العالمية.. هنا وجد السياسي الإيراني انه لابد من تشكيل ضغط على المنطقة برمتها بداية بتثوير الوضع في البحرين وتحريك لشرق السعودية  و دعم الحوثي في جنوب الجزيرة وليس نهاية بقصف مواقع شركة ارامكو النفطية ولسان حال إيران يقول لا نفط لأحد يمر إذا لم يمر نفط إيران..

الواضح أن إيران تعاني ضائقة اقتصادية خانقة جراء الحصار الأمريكي الغربي عليها وتعطيلها من الخروج من أزماتها الاقتصادية المتمثلة في تعطل عجلة النمو وازدياد نسبة البطالة بعد ان برقت بارقة الأمل لإيران بالاتفاق النووي الذي ألغاه الرئيس الأمريكي ترمب مستبدلا ذلك بحصار ألقى بثقله على المجتمع الإيراني الذي ما فتيء يعبر عن حنقه باحتجاجات تتسم بالحدة.. ولهذا فإن إيران تتحرك في المنطقة مستغلة كل أوراق القوة كوجودها في العراق حيث يمثل لها نافذة أساسية في كسر حدة الحصار حيث تحول السوق العراقي إلى اكبر مستورد من البضائع الإيرانية كما تمثل الساحة العراقية مجالا لتمدد النفوذ الإيراني الذي تمارس من خلال أنصارها ضغطا على الأمريكان لم يتم حسابه بدقة مؤخرا فذهب قاسم سليماني ضحية الحسابات التكتيكية الخطأ عندما سمح للمليشيات الشيعية بالهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد.. وتواجه إيران مأزقا حقيقيا في العراق باحتجاجات بلغت حرق القنصليات الإيرانية في جنوب العراق أي في المناطق الشيعية التي انتفضت مطالبة بإنهاء التدخل الإيراني في شئون العراق.. و عملت على إغلاق السوق أمام البضائع الإيرانية ولازالت أوضاع العراق تغلي، وفي الخليج أيضا نزاع قطري مع السعودية الإمارات سمح لتدخل إقليمي أكثر فكان الوجود التركي في قطر و كذلك توسيع القواعد الأمريكية كما ان التوتر متواصل بين السعودية وإيران مما يدفع الى حالة من التوتر والاستنفار بل والاشتباك عبر وكلاء..

حالة الاستنفار في الخليج لا تقف عند حد فلقد أصبح الخليج مرة أخرى مسرحا للبوارج البحرية متعددة الجنسيات كما ان القواعد العسكرية الأجنبية تمددت في المنطقة و أصبح شراء الأسلحة وتكديسها بابا لاستنزاف ثروات الإقليم وليس مستبعدا نشوب صراع مباشر بين إيران والسعودية بعد ان تصارعا من خلال وكلائهما في الإقليم..

من جديد نعود إلى الإشارة لما وضعه برنارد لويس أمام صانع القرار الأمريكي الذي تبناه عن شرق أوسط جديد يتم فيه تمزيق الجزيرة وتبديد دولها الوطنية.. فهل تكون المقدمة هي هذه الحروب والاستنفار و تكديس السلاح وإنفاق المال بجنون؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى