الانقسام الفلسطيني هو الجرح الأكثر ألما من جراح الشعب الفلسطيني الكثيرة والمتعددة، لأنه جرح فلسطيني وبأيد فلسطينية، لأنه إنقسام تحت احتلال ، ولأنه إنقسام دون مبرر، ولأنه يتواصل في الوقت الذي ينزف به شعبنا دما وتتصاعد به جرائم الاحتلال وعدوانه.ولأن عدالة قضيتنا وعظمة شعبنا وصموده لا يستحقان هذا الإنقسام.
خمسة عشرة عاما وهذا الجرح ينزف ويتعمق، خمسة عشرة عاما والفصائل والقوى تجتمع في القاهرة، ومكة المكرمة، واسطنبول، وغزة، ورام الله، وموسكو، وبيروت دون جدوى حتى أعلن عن المبادرة الجزائرية التي أعادت الأمل وبقوة لإنهاء وطي هذه الصفحة السوداء من تاريخ الشعب الفلسطيني.
المبادرة الجزائرية تكتسب قوتها من التجربة النضالية للجزائر، وللعلاقة الخاصة التي تجمع الجزائر بفلسطين، وللمواقف النضالية المشرفة للجزائر اتجاه فلسطين، ولأنها بالتنسيق والتكامل مع الشقيقة مصر، وبمباركة الجامعة العربية.
لا استغرب من حالة الاحباط وردود الفعل السلبية على إعلان الجزائر، خاصة وأن هذا الإعلان بعد فشل العديد من الاتفافيات على مدار السنوات الماضية، ولأن حالة الانتفاض والبطولة التي يعيشها الشارع الفلسطيني تتطلب إنهاء الإنقسام بشكل فوري وتوحيد الصفوف، ومع كل ذلك فإن إعلان الجزائر هو نافذة أمل لبلسمة الجرح الفلسطيني، وخطوة في الاتجاه الصحيح، وإنجاز هام على درب إنهاء الانقسام لاعتبارات عدة أبرزها على النحو التالي:
أولا: إعلان الجزائر هو اختراق هام، بعد انقطاع الحوار الوطني لأكثر من عام ونصف، ولهذا فإن استعادة الحوار الوطني والتأكيد على المبادئ المشتركة وخارطة طريق لإنهاء الإنقسام بحد ذاته إنجازا يسجل لحوار الجزائر.
ثانيا: الجميع يتفق بأننا لسنا بحاجة لاتفاقيات جديدة في ظل كثرة الاتفاقيات الموقعة والتي تغطي كافة التفاصيل والآليات المطلوبة لإنهاء الإنقسام، ولهذا من يتهم إعلان الجزائر بأنه مجرد مبادئ عامة فهو مخطىء ، فالجزائر وكافة الفصائل المجتمعة حرصت على صياغة نهج جديد للعمل يركز على جسر الهوة بين طرفي الانقسام ، والتركيز على آليات المتابعة والإشراف على تنفيذ إعلان الجزائر والاتفاقيات السابقة .
ثالثا: إعلان الجزائر سيتم تقديمه للدول العربية خلال انعقاد القمة العربية مطلع الشهر المقبل في الجزائر، وسيتم الطلب رسميا تشكيل فريق جزائري عربي للإشراف على تنفيذ الاتفاق، وهذه سابقة تضمن استمرار جهود الجزائر والاخوة العرب لحين تنفيذ الاتفاق على عكس المبادرات السابقة والتي شملت رعاية للتوقيع دون متابعة التنفيذ، وهذا يشكل فرصة حقيقية لإنهاء الإنقسام بشكل فعلي.
رابعا: أكد إعلان الجزائر على حق الشعب الفلسطيني بالمقاومة بكافة أشكالها ، والتأكيد على الشراكة الوطنية الكاملة ، واعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، وتوحيد مؤسسات الدولة ، والدعوة لانتخابات شاملة بما يشمل القدس، وتشكل هذه المبادئ أرضية صلبة لإنهاء الإنقسام وكذلك بناء استراتيجية نضالية لمواجهة الاحتلال.
خامسا : الزخم الرسمي والشعبي الذي قدمته الجزائر لهذا الإعلان ولإنجاز هذه المهمة الوطنية والقومية يحتم على الكل الفلسطيني الخجل والصحوة والالتزام بتنفيذ إعلان الجزائر ، فرعاية الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون شخصيا لهذا الإعلان ومشاركته ومعالي وزير الخارجية في زيارة المجتمعين في قصر الصنوبر، والاحتفال المهيب الذي نظم في القاعة التي احتضنت اعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988 بمشاركة أركان الدولة كافة من وزراء ونواب وعسكريين إضافة إلى السفراء العرب والأجانب هو بحد ذاته رسالة بأن الفشل ممنوع وغير مقبول .
وفي هذا السياق وبكل صدق وصراحة كل العبارات والعبرات لا تفي للجزائر حقها لما بذلته من جهود وحرص ورعاية لحوارات إنهاء الإنقسام ، ولعل خطاب سيادة الرئيس عبد المجيد تبون وعباراته بأن علاقة الجزائر بفلسطين علاقة أزلية تشكل بحد ذاتها فرضا وواجبا على كافة الفصائل والقوى لاحترام هذا الإعلان، كذلك خطاب وزير الخارجية الجزائري الذي قال بشكل واضح وهو يخاطب قادة الفصائل والقوى بأن وحدتكم أساس وحدة العرب هي رسالة واضحة بأن توحيد العرب ودعمهم للقضية الفلسطينية ووقف التطبيع مرهون بإنهاء الإنقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية . فشكرا من قلب كل فلسطيني للجزائر رئيسا وقيادة وشعبا، وستبقى الجزائر قطعة من قلب كل فلسطيني أينما وجد.
ورسالتنا لقادة الفصائل والقوى، بأن أي محاولة لإفشال إعلان الجزائر هو انتكاسة وجريمة وطنية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وستكون بمثابة تهلكة حقيقية نخسر من خلالها ثقة شعبنا بالكامل، ودعم العالم الحر الذي تمثل الجزائر رمزا له. وعليه المطلوب في هذه اللحظة عدم جلد الذات، وإنما التفاؤل والأمل والإرادة لإنهاء الإنقسام وتنفيذ أعلان الجزائر وتكامل وتوحيد الجهود لتحقيق ذلك، المطلوب التحلي بالصبر والإيجابية والعزيمة ومواصلة العمل بشكل مكثف لينتهي الإنقسام بشكل فعلي وللأبد . وليكون الجزائر كما في كل مرة وكما في كل محطة عبر التاريخ بلسم الجراح الفلسطينية، والسند الأبرز لنضالنا وقضيتنا.
منيب المصري