أقلام

نحو إطلالة محتشمة للسلام من نيران الحرب

احسن خلاص
مع تسارع الأحداث على مسرح الأزمة الروسية الغربية على الركح الأوكراني يصعب على المراقبين الإمساك بالاتجاهات الكبرى للصراع. ما هو مؤكد أن فرص الحوار تراجعت منذ أكثر من أسبوع على مختلف المستويات لتفسح المجال للغة المواجهة بعيدا عن أي مؤشر جاد وواضح يوحي بإمكانية حلحلة الوضع وتجنيب الشعوب الواقعة على الأرض الأوكرانية الكبرى ويلات الدمار وحالات الترويع والتشريد التي يدفع ثمنها المدنيون العزل من أطفال ونساء وشيوخ.
تظل روسيا تردد أن هدفها من التدخل العسكري في أوكرانيا واضح تماما إذ نفت نيتها في احتلال البلد أو قلب نظام الحكم بل ملاحقة من أسماهم بالنازيين الجدد الذين تشكلوا في عصابات دموية فاسدة أخذت الشعب الأوكراني رهينة لها لاسيما السكان الذين يقعون في شرقها في إشارة إلى إقليم دونباس بجمهوريتيه اللتين نالتا اعتراف روسيا في 21 فبراير الجاري.
في آخر خطاب له دعا بوتين الجيش الأوكراني إلى القيام بانقلاب عسكري للإطاحة بسلطة القوميين الأوكرانيين المجرمين وقال بصريح العبارة إن مثل هذا التحول قد يتيح الفرصة للتباحث مع القيادة الجديدة من أجل تحقيق السلام وإعادة مياه العلاقات الثنائية إلى مجاريها الطبيعية بين بلدين شقيقين تربطهما روابط تاريخية. في الجانب الأوكراني عبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن استعداده للتفاوض مع موسكو على أرضية حياد أوكرانيا وهو النداء الذي التقطته موسكو بنظرة إيجابية إلى درجة أن مسؤولين في كييف تحدثوا عن محاولات الطرفين لتحديد موعد ومكان لقاء محتمل بين الرئيسين الروسي والأوكراني لتدشين عملية تفاوضية قريبا وذهب المتابعون إلى حد تحديد كل من وارسو أو مينسك لاحتضان اللقاء ويقال إن حكومة الكيان الصهيوني تكون قد اقترحت نفسها لقيادة وساطة ورعاية لإنجاح المباحثات التي أعلن لافروف عن تأييده لها إذا ما أرادت الحكومة الأوكرانية حفظ ماء الوجه بالرضوخ لشروط أربعة حددتها القيادة الروسية كأرضية للمفاوضات وهي نزع السلاح الأوكراني وكف جميع أشكال العدوان وضمان حياد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى أي تحالف أمني وعسكري وحفظ حقوق الشعوب الناطقة باللغة الروسية وتشكيل حكومة أوكرانية توافقية تمثل جميع أطياف الشعب الأوكراني. ويبدو أن بلدانا عدة من أوروبا الشرقية عرضت استضافة القمة فإلى جانب بولندا وبيلاروسيا أعلنت المجر عن استعدادها لتوفير أجواء نجاح محاولات إنهاء الأزمة بطريقة سلمية.
ولا يمكن وضع هذا التطور اللافت بعيدا عن الاستياء الذي صار يعبر عنه الشعب الأوكراني من الغرب الذي تبين أن هدفه لم يكن مساعدة أوكرانيا وحمايتها من أي غزو روسي بل معاقبة روسيا بسبب طموحها وحرصها على ضمان أمنها. كما أن الرئيس الأوكراني فضل المبادرة بمد يده للتفاوض قبل خراب مالطا حيث لن تعود في يده أي أوراق رابحة ولا هوامش مناورة معتبرة لزيلنسكي لا يريد ان يفرض عليه التوقيع على وثيقة الاستسلام كتلك التي فرضت على الألمان بعد الحرب العالمية الأولى بعد أن أدرك أن حكومته تتجه كل يوم نحو العزلة بعد أن ترك الحلف الأطلسي القيادة الأوكرانية تواجه نتائج الدور الذي اختارت أن تلعبه في شرق أوروبا إلى درجة أن الرئيس الأوكراني دعا جميع المدنيين القادرين على حمل السلاح إلى الالتحاق بالمقاومة الأوكرانية التي لا تزال تفتقر إلى السلاح والمساعدات اللوجستية التي وعد بها الغرب وذلك بحجة أن أوكرانيا ليست عضوا في الحلف الأطلسي.
ولأن روسيا تدرك تماما أن مبادرة زيلينسكي يمكن أن تكون تكتيكية بغية الحصول على وقف لإطلاق النار يمكنه من إعادة ترتيب أوراقه فقد طرحت على الطاولة بشكل شفوي شروطها التي لا تبتعد عن الأهداف التي أعلنتها القيادة الروسية من العملية العسكرية. وهو ما جعل القيادة الأوكرانية تتردد وتتراجع خطوات إلى الوراء والكرملين يعيد النظر في نيته وقف إطلاق النار. ولعل هذا التراجع الأوكراني يعود إلى وعود تلقتها أوكرانيا من الإدارة الأمريكية بحزمة جديدة من المساعدات الأمنية والعسكرية.
لكن بالمقابل، وبالرغم من الدعوات المتكررة لروسيا من عدة دول إلا أن روسيا لا تزال عازمة على الذهاب بعيدا في الحسم العسكري بعد أن تجاوزت مرحلة الاتصالات الديبلوماسية مع الولايات المتحدة الامريكية وقيادة الحلف الأطلسي وليس أدل على ذلك من إرسال رسائل تهديد جديدة إلى كل من السويد وفنلندا إذا ما حاولتا الانضمام إلى الحلف الأطلسي. ولأن الشهية تأتي مع الأكل فإن متابعين يرون أن بوتين غير مستعد للخروج من هذه الحرب بأنصاف الحلول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى