
تملي التحديات الإقليمية والدولية الراهنة المحيطة بالجزائر على منظومة “الاتصال والإعلام” ضمن منظومة التأطير الرسمي تفعيل استراتيجية تتحرك بموجبها أداءات نوعية وفعالة تساير السياق الضاغط، فقطاع الاتصال الذي يشكل في العديل من الدول مرتكزا هاما للسياسة الخارجية وفاعلا أساسيا في مقاربة الحوكمة يمكن أن يساهم اليوم وأمام الاعتبارات والمتغيرات الموجودة إقليميا ودوليا وهي محل اشتغال مؤسساتي واضح على مستوى منابر “الخارجية والعلاقات الدولية” للدولة الجزائرية أن يساهم هذا القطاع في تأسيس مسار نوعي لمرافقة “خيارات الدولة” الاستراتيجية في التعامل كما أشرت مع “التحولات الجيو سياسية” الضاغطة والمعقدة المحيطة بالجزائر وهي واضحة المعالم في الوقت الراهن، ولعل التوجه وبشكل عملي إلى خطاب إعلامي استراتيجي مؤسساتي يعبر عن هذا التوجه اليقظ والحذر لدى الدولة مع محيط التحولات المشار إليه يمكن أن يكون من خلال وضع مخطط اتصالي وإعلامي مدروس ومؤطر بكفاءة عالية آلياته موجودة عبر مستويات عدة.
مهارات جديدة تبني” الخطاب الإعلامي
إن هذا المخطط الاتصالي في أبعاده و “الإعلامي” في فعاليته وديناميكية أدائه وحركته توضع معالمه الأولى وأسسه الشاملة عبر وسائل الإعلام العمومية التي تحتاج أمام ما تمليه اعتبارات “الراهن” سياسة “ومسارا.. إلى مهارات جديدة تبني” الخطاب الإعلامي “المواكب بكفاءة مهنية وطرح موضوعي مسارات الدولة وخطابها السياسي القارئ للمشهد الإقليمي، والدولي بتعقيداته الموجودة وبما يفرضه من مخاطر وتحديات على الدولة الجزائرية الموجودة في جغرافيا سياسية تتحرك فيها بوضوح” أطماع أجنبية.. تحالفات مشبوهة.. ضغوطات على خيارات وطنية وسيادية.. “
إن وسائل الإعلام العمومية منها الصحافة المكتوبة والإذاعة الوطنية والتلفزيون الجزائري بقنواته الحالية يجب أن يوضع لها مخطط استراتيجي على مستوى طرائق معالجة مواضيع وأحداث الراهن الدولية المحيطة بالجزائر ليتخطى مستوى المعالجة الكلاسيكية للأحداث والمتغيرات الإقليمية الدولية طابع “الأخبار” ويصل إلى مستوى إبراز موقع الدولة الجزائرية واستراتيجيات العمل المؤسساتي والسياسي المنتهج في التعاطي مع هذا التحول الإقليمي ،والدولي الضاغط ويمكن أن يكون هذا عمليا ضمن مخطط عمل إعلامي مدروس مؤطر تتيحه فيه على سبيل المثال مساحات الإعلام المفتوح الذي تضعه قنواتنا العمومية مجالا أوسع لتداول النقاش حول السياسة الخارجية للدولة ،والمكاسب التي تحقق بشكل واضح في جبهات ومسارات عديدة.
إن التوجه نحو بناء واجهة جديدة في طرائق العمل في وسائل الإعلام العمومية أضحى ضرورة ملحة خاصة في موضوع تعاطي الشأن الإقليمي والدولي والتشابك الموجود بين المعالجة ونظيرها في باقي القنوات الأجنبية خاصة منها المعروفة بعدائها للوطن وانخراطها في مخطط للتشويش على خيارات الدولة في السياسة الخارجية إذ يجب البحث على مستوى قطاع الاتصال عن “ميكانيزمات وآليات جديدة” لبعث هذا المسار المهاراتي الاستراتيجي في أبعاده وأهدافه والقصد في هذا السياق بناء الخطاب الإعلامي المتفاعل مع خط الدولة وموقفها إزاء التحولات والمتغيرات الإقليمية والدولية الضاغطة والمؤثرة وتحضير فرق من الكوادر الإعلامية الماهرة والمحترفة والحاملة لرصيد نوعي في هذا المجال، يشكل هذا خيارا ضروريا ومدخلا أساسيا لتحريك هذا المسار الاتصالي الإعلامي الخاص في ارتباطه بالشأن الإقليمي الدولي والدولة الجزائرية.
وقد يكون الإبداع في إخراج المحتويات الإعلامية عبر وسائل إعلامنا العمومي والخاص وبلورة الأفكار والمضمون حسب الغاية والمبتغى وانتقاء التوقيتات والأزمنة لتحريك ما أرhه استراتيجية اتصال وإعلام تضمن مصالح الدولة في الخارج وتقوي موقعها إحدى الآليات الفعالة لبناء إعلام وطني مؤثر في الداخل والخارج وهو المطلوب في الوقت الراهن من قبل قطاع الاتصال الذي يستدعي الظرف الحالي “الإقليمي والدولي” دورا نوعيا واستراتيجيا له في هذا المستوى العالي من التواجد والتأثير وليس غريبا أن العديد من دول العالم تضع في أصعب الظروف والمحطات التي تمر بها وتواجه فيها مخاطر محدقة وتحديات متعددة “الإعلام الوطني العمومي” أمام مسؤوليات وطنية تشترك في الدفاع عن استقرار الدولة وأمنها القومي وتحفظ مصالح الوطن في محيط التحولات الدولية والإقليمية وهذا المطلوب كما اشترط من الإعلام العمومي خاصة في هذا الوقت بالذات في ظل ظهور أعباء جديدة لدى قطاع الاتصال في هذا المحور السياسي الإعلامي الدقيق والحساس.
أزمة “النيجر”
إن الجزائر تواجه اليوم من حيث ما تشكله أزمة “النيجر” من تعقيدات وتأثيرات وما يحاك من مخططات مشبوهة لجرنا إلى مستنقعات الحروب والخراب الذي تورطت فيه أياد أجنبية، تواجه الجزائر تحديات جسيمة لا يمكن إغفالها على المستوى الإقليمي سواء عبر الامتداد الأفريقي والمنطقة المغاربية التي يراد جرها للتطبيع مع الكيان الصهيوني.. ولعل طرح هذه التحديات ونقل مقاربة الدولة في التعاطي معها عبر مستويات عليا مؤسساتية يجب أن يكون ضمن خطاب إعلامي وخطة اتصال عالية الكفاءة تراعها الدولة رسميا عبر مخطط اتصالوإعلام يطرح على مستوى الحكومة في هذا الموضوع بالذات وقد يكون تحريك هذا المسار في تقديري جزءا هاما من “الأمن القومي”.
إن بناء هذا الخطاب الإعلامي الوطني المؤسساتي المساير لموقف وتوجه الدولة الدارس لتعقيدات المشهد الإقليمي والدولي يستحق اليوم وقفة رسمية ومؤسساتية ونخبوية تنخرط فيها جميع النخب الوطنية الغيورة على الدولة وخطها الوطني وسيادتها الكاملة فلا يمكن بأي شكل من الأشكال الاكتفاء في عصر من الإعلام الشبكي والإلكتروني ومنصات التواصل المفتوح بطابع من المعالجة الشكلية لهذا السياق الضاغط، كان يبقى الإعلام العمومي في تعاطيه مع حركة الأحداث وتعقيداتها الإقليمية في موقع الناقل لنشرات وأخبار فقط.. بل يجب ضمن مخطط اتصال وإعلام موضوع لهذا الظرف الدقيق بالتحديد أن يكون الإعلام العمومي في مقدمة المؤسسات المتحركة مع توجه الدولة وحركة دبلوماسية العلاقات والتأثيرات والتموقعات.
إني اقترح بناء على هذا المسار الذي تستدعيه بكل موضوعية تحديات إقليمية ودولية معقدة وخطيرة تكوينا لكوادر إعلامية على نهج جديد في الإعلام ومساراته المرافقة لخيارات الدولة والموجود في محيطها المتحرك إقليميا ودوليا واقترح أيضا من موقعي كباحث ومهني في الاتصال والاعلام ان يتم فتح نقاش مهني محترف حول طرائق العمل وإخراج برامجنا الاذاعية والتلفزية التي تعالج هذه الاحدث والتحولات الإقليمية والدولية في قالب إعلامي ويمكن أن ترعى وزارة الاتصال هذا المقترح الذي يمكن نضعه في صورة مشروع استراتيجي يحاكي بالفعل علاقة منظومة الاتصال الرسمي والاعلام العمومي مع السياسة الخارجية للدولة وموقعها في حركة العالم المتغير سياسيا .
مقاربات عمل جديدة
إن قياس واقع منظومة الاتصال عبر مستوى مؤسساتي وسياسي مدخل هام وأساسي في استراتيجية القطاع وأعبائه خارج ما يصاغ من صورة نمطية في الأداء والتصورات بل إن قطاع الاتصال يشكل اليوم في الجزائر أحد القطاعات الاستراتيجية المهمة التي يجب أن تتحرك بكفاءة عالية في موضوع السياسة الخارجية وتوجهات الدولة في التعامل مع الأزمات الإقليمية والدولية المحيطة بنا وقد أضحى تحريك استراتيجية في هذا الموضوع بالذات الذي أراه موضوع نقاش وطني ومؤسساتي تمليه ظروف الراهن اليوم من الالويات الملحة التي يجب الانتباه إليها خاصة في ظل مقاربات عمل جديدة للقطاع كما أن بناء استراتيجيات عمل اتصالية وإعلامية في مؤسسات الدولة كان ولا زال من مهام قطاع الاتصال الذي يملك موارد بشرية يجب تحريك طاقاتها نحو الدفاع عن مصالح الدولة الجزائرية وخياراتها السياسية وهذا موضوعا يمكن حتى للجامعات أن تنخرط فيه بحثا وتفكيرا في بدائل وخطط توضع أمام الدولة وهذا القطاع الاستراتيجي لجعلها جزءا من العمل الوطني المؤسساتي الموجه لمواجهة خطط خبيثة لأطراف أجنبية تريد استهداف الجزائر بشكل واضح ولا يخفى على المهتم والمتابع حجم الرسائل العدائية التي تحملها نشرات اخبارية لقنوات أجنبية للجزائر شعبا وقيادة والأمثلة في هذا.. كثيرة وقاطعة آخرها ما تنشره قناة فرنسية معروفة بخبث نشاطها الإعلامي المتناول لقضايا بخلفية عدائية ضد الجزائر وكل هذا جزء منه أو كله من التحديات التي تستدعي كما أشرت إعادة بناء إعلام عمومي مواكب في هذا المستوى الدقيق والحساس للموجود من معطيات.
بقلم د. محمد مرواني/ استاذ جامعي في الإعلام والاتصال