بقلم احسن خلاص
جرى الحديث كثيرا عن أقطاب ثلاثة نشطت الحملة الانتخابية للتشريعيات، القطب المحافظ، القطب الإسلامي وقطب المستقلين. وتجمع الأقطاب الثلاثة على أن العزوف الانتخابي لا يمكن ربطه بالضرورة بفشلها في استقطاب الناخبين من منطلق أن عدم اهتمام المواطنين بالانتخابات صار “مرضا” مزمنا كما جاء في تعبير رئيس جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب ولا يرتبط إلا بالثقة المهزوزة بين المواطن والمؤسسات التي ظلت تنتجها الانتخابات على مر السنوات.
وإذا كانت القوائم الحرة بعيدة عن الهالة التي أحيطت بها منذ الوهلة الأولى، حين وضعها الكثير من المراقبين للشأن السياسي ضمن القوى التي صارت تعول عليها السلطة لإنشاء تكتل سياسي وطني جديد على أنقاض التكتلات السابقة التي كانت تعتمد عليها في عهد بوتفليقة، فإن الأحزاب السياسية قد أبانت عن قدرة كبيرة على تنظيم حملات انتخابية أكثر نضجا وتعبيرا عن الخبرة السياسية لديها. لقد تبين أن اقتحام القوائم الحرة المجال بقوة سينجر عنه، بتقدير المتابعين، تمييع كبير للعملية الانتخابية بل سيجعل أصوات الناخبين لا ترقى نسبيا لأن تنتج برلمانا متينا خصوصا وأن القوائم الحرة هي التي سينالها الضياع عند تطبيق عتبة 5 بالمائة وأنها هي التي ستدفع نحو ضعف تمثيلية المقاعد البرلمانية في المجلس الشعبي الوطني القادم، بالرغم من أن السلطة سعت كثيرا منذ البداية للدفع نحو بروز هذه القوائم ضمن ما يسمى المجتمع المدني الذي كان الدعامة للبرنامج الانتخابي للرئيس تبون واريد له من بعد أن يلعب دور المرافق لعمل الحكومة في المجال الاجتماعي. لم تدخل القوائم الحرة ضمن تكتلات سياسية ذات مشروع وتوجهات مشتركة وواضحة ما عدا ما يعرف بتكتل قوائم الحصن المتين التي يبدو أنها منتشرة على جل الدوائر الانتخابية وتدعي أنها أكثر تمثيلا لمطالب النشطاء السياسيين غير المنضوين تحت لواء الأحزاب وبتعبير أدق فهي تمثل الجزء من شباب الحراك الشعبي الذي فضل المشاركة.
ضمن الغياب الملاحظ للطريق الثالثة التي كان ينتظر أن يمثلها المستقلون اكتفى الناخبون المحتملون بالقوى السياسية التي اعتادوا في السابق على رؤيتها على منصة الحملة الانتخابية. ومن ثم فإن التيارين المحافظ والإسلامي هما من سيتقاسم الأدوار في المرحلة المقبلة غير أن الغريمين المحافظين حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي سيقابلهما غريمان من التيار الإسلامي وهما حركة البناء الوطني وحركة مجتمع السلم وقد يضاف إليهما جبهة المستقبل من جانب وجبهة العدالة والتنمية من جانب آخر.
ويبدو أن السلطة ترحب مبدئيا بالجميع غير أنها أكثر استعدادا للتعامل مع الأطراف التي تقدم أكبر التنازلات لصالح تشكيل أغلبية رئاسية تفضي إلى حكومة تسيطر عليها توجهات السلطة. وتعتبر السلطة كما الأحزاب المشاركة ذاتها أن الوقت لم يحن بعد للمغامرة بتشكيلة حكومية مستقلة عن سلطة الرئيس ونابعة من أغلبية برلمانية تشكلها الأحزاب لاسيما وأن هذه الأحزاب تعيش صراعات خفية داخلها وبينها، إذ بالرغم مما اتسمت به الحملة الانتخابية من هدوء وقلة عدوانية إلا أن الغريمين الإسلاميين وكذا الغريمين المحافظين ليسوا من النضج ما يؤهلهما لقيادة الجهاز التنفيذي المقبل مستقلين بعيدا عن رعاية الرئيس.
وينتظر ملاحظون آخرون أن لا تخرج الحكومة المقبلة عن الهندسة الحكومية المستقرة نسبيا منذ عهد اليامين زروال وهي أن يتولى الرئيس اختيار الحقائب السيادية مثل العدل والداخلية والمالية على أن توزع القطاعات على الأحزاب التي نالت أكبر عدد من المقاعد. ولا شيء يوحي أن السلطة القائمة ستستغني عن خبرة الأحزاب التي ألفت المشاركة في الحكومة وهذه الأحزاب الاربعة صارت تعد من أفراد بيت الحكومة وتدعي أنها تملك خزانا من الإطارات المؤهلة للاستوزار.
ولا يساور هذه الأحزاب أدنى شك في أن السلطة ستستنجد بها في تشكيل الحكومة المقبلة بالرغم من أنها لم تؤيد الرئيس تبون للوصول إلى الحكم. أما حركة البناء فاختارت مرشحها في رئيسها بينما ساند حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي مرشحا منافسا للرئيس تبون في الوقت الذي التزمت فيه حركة مجتمع السلم الصمت وخيرت مناضليها في مسألة التصويت. لكن الأحزاب المذكورة ما انفكت تبعث برسائل للرئيس تبون تعبر فيها عن استعدادها للتعاون معه مبررة ذلك بالوضع الصعب الذي تعيشه البلاد جراء تراجع أسعار المحروقات وتربص أطراف خارجية بالبلد وضرورة دعم الجبهة الداخلية والشروع في حوار سياسي جاد للخروخ من الأزمة ومواجهة تداعيات الأزمة الصحية.
وبقي الأمل لدى الرأي العام أن تتقدم هذه الأحزاب بوجوه جديدة أكثر تأهيلا واستعدادا لرفع التحديات وأن تجد الحكومة المقبلة الانسجام الضروري بين أطرافها وفق برنامج واضح يقدم الحلول الميدانية وليس ترديد الشعارات.