
المؤرخ رابح لونيسي “للوسط “
-
قضايا الذاكرة مؤثرة جدا في العلاقات بين البلدين
-
عدم اعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية يدخل ضمن مبدأ استراتيجي لها
أكد المؤرخ رابح لونيسي في تصريح خص به يومية “الوسط “بمناسبة الذكرى 57 لمجازر 17 أكتوبر 1961 أنه كلما حلت هذه الذكرى، إلا وعاد معها الجدل حول قضايا الذاكرة العالقة بين الجزائر وفرنسا، والتي يعتبرها البعض، بأنها تعرقل العلاقات الاقتصادية بين البلدين، معتبرا أن ماكرون قبل وصوله إلى سدة السلطة عمد للعب والقول بكل صراحة أن الاستعمار كان جريمة ضد الإنسانية عند زيارته الجزائر، وذلك بهدف تجاوز قضايا الذاكرة بحثا عن مصالح فرنسا الاقتصادية، بالإضافة إلى أنه يعتبر نفسه من جيل الشباب الذي لا علاقة له بهذه الأحداث، ولهذا لا تؤثر عليه، لكن اكتشف فيما بعد بأن قضايا الذاكرة جد مؤثرة على العلاقات الفرنسية – الجزائرية، وأن ثقل الماضي له تأثير كبير على هذه العلاقات بعد ما تعرض لضغط كبير من طرف لوبيات الأقدام السوداء، ثم عرف بدقة بعد وصوله إلى الإليزيه بأن عدم اعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية يدخل ضمن مبدأ استراتيجي للسياسة الفرنسية لا يمكن التخلص منه، لأن هذا الاعتراف عند صناع القرار في فرنسا معناه ضرب تام لأيديولوجية الدولة الفرنسية المبنية على أن ثورتها في 1789 هي التي أنتجت حقوق الإنسان، وبالتالي يستحيل عليها أن تناقض هذه المبادئ، إضافة إلى انتشار فكرة خطيرة لدى الفرنسيين في العهد الاستعماري، وتتمثل في الترويج أن الاستعمار كانت مهمته تمدينية، وأن فرنسا حملت الحضارة لهذه البلدان المستعمرة كما نص عليها قانون 23فيفري2005، وأي اعتراف منها بأنها قامت بجرائم ضد الإنسانية معناه إعادة النظر في كل الذاكرة الفرنسية ذاتها وفي التمجيد الذي تلاقيه بعض شخصياتها ورموزها التاريخية، مما سيهدد الأسس التاريخية لفرنسا ذاتها.
براغماتية ماكرون
كما أوضح الدكتور لونيسي أن ماكرون عمد أن يكون براغماتيا، ويضع المصالح الاقتصادية ضمن أولوياته دون تنازل تام في قضايا الذاكرة لأن سياسات الدولة العليا لفرنسا تقتضي ذلك ، فأتخذ خطوات مدروسة في مجال الذاكرة، فنجده يعترف ببعض الجرائم مثل قضية “موريس أودان” مؤخرا لكن في نفس الوقت وبعد مدة وجيزة يسعى لإرضاء لوبيات الأقدام السوداء والحركى كما فعل مع الحركى بعد أسبوع من اعترافه بالتعذيب الفرنسي للجزائريين في السجون واغتيال جيشها لموريس أودان، وممكن أن يعترف بقضايا أخرى مستقبلا لصالح الجزائر، لكن في نفس الوقت سيقوم بإرضاء هذه اللوبيات فهي استراتيجية واضحة من ماكرون.
نخشى أن تضيع المطالبة بتجريم الاستعمار بين الأرجل
وفي ذات السياق قال الأستاذ في التاريخ المعاصر جامعة وهران1 ، أننا ما نخشاه اليوم أن تفقد المطالبة بتجريم الاستعمار دافعها وزخمها بسبب شعور البعض بأنها تستخدم من سياسويين جزائريين كسجل تجاري، ومما يدفع الجزائري إلى الملل من هذا الخطاب، لدرجة أننا نسمع البعض اليوم يقول ما الفائدة من ذلك ؟ ، معتبرا رابح لونيسي أن هذا أمر خطير لأن هؤلاء لم يفهموا إطلاقا البعد الاستراتيجي لهذه القضية المطروحة بشكل خاطئ، مؤكدا ذات المتحدث أن قضية تجريم الاستعمار يجب أن يفهمها المواطن الجزائري بأنها مرتبطة بأمننا الاستراتيجي، و عليها أن تطرح في هذا الإطار وبالتالي فأمننا الاستراتيجي يقتضي عدم الاكتفاء فقط بفضح الجرائم الاستعمارية، بل علينا أيضا التنسيق مع كل البلدان المستعمرة لاستصدار قانون دولي وإدخاله في ميثاق هيئة الأمم المتحدة يعتبر كل استعمار ماضيا ومستقبلا، ومهما كان شكله هو جريمة لذاته، وأن أي تمجيد له هو جريمة ضد الإنسانية.
الضغط الدولي لإدانة وتجريم الاستعمار
وفي ذات الصدد دعا الدكتور لونيسي إلى ممارسة الضغط الدولي لإدانة وتجريم كل الاستعمارات في كل المؤسسات التعليمية والإعلامية وغيرها، ألا يمكن لنا نحن الشعوب التي تعرضت للاستعمار أن ننسق، ونعمل سويا من أجل تحقيق ذلك، ونقوم بنفس ما قام به الكيان الصهيوني في عدة دول، وذلك بضغطه من أجل استصدار قوانين تعاقب كل من يشكك فيما تسميه بـ”محرقة النازية الهتلرية في حق اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية”، بل فرض على دولة كألمانيا دفع تعويضات لها على ذلك، وسعت لدى القوى الكبرى لضمان عدم تكرار ذلك مستقبلا؟ أفلا يمكن لنا التفكير في إنشاء مؤسسة دولية هدفها محاربة الذهنية الاستعمارية عالميا، وتكون شبيهة باليونسكو التي تنشر قيم السلم في العالم على أساس التعريف بكل ثقافات الشعوب؟، مشيرا ذات المتحدث أن الهدف من ذلك هو تجنيب الإنسانية تكرار الظاهرة الاستعمارية مرة أخرى بمسميات وأشكال مختلفة وهذا ما أبرزه قائلا فلتنصب جهودنا من أجل حماية أمننا وأمن الدول الضعيفة من تعرضها لاستعمار مرة أخرى في مرحلة عاد فيها الخطاب الاستعماري بأشكال أخرى، فما قانون تمجيد الاستعمار الصادر في فرنسا في 23فيفري2005 ببعيد عن هذا الخطاب.
وقال البروفيسور رابح لونيسي “للوسط “أن ” دبلوماسية تجريم الاستعمار” تتطلب أن نغرس في أبنائنا أن الوفاء لملايين الشهداء من أجدادنا الذين اغتالتهم فرنسا الاستعمارية لا يمكن لنا “الانتقام” لهم كي يرتاحوا في قبورهم إلا بتحقيق حلمهم في بناء دولة قوية على كل الأصعدة بإمكانها أن تضاهي فرنسا مع السعي لاستغلال هذه الحرقة الوطنية لدفع الجزائري إلى العمل والتضحية أكثر مستدلا المتحدث بما فعل الياباني الذي قلل من الصراخ بعد ضربه بالقنبلة الذرية من أمريكا في 1945، والذي قرر العمل في صمت لينتقم منها بعد عقود ببناء اقتصاد قوي أصبح يهدد الاقتصاد الأمريكي في بدايات تسعينيات القرن الماضي .