بقلم: احسن خلاص
أثار التصعيد الذي عرفه الجوار الجزائري لاسيما مع عودة التوتر إلى الصحراء الغربية وإعلان جبهة البوليزاريو أنها في حل عن أي التزام باتفاقية وقف إطلاق النار في حربها مع نظام المملكة المغربية قلقا داخليا يضاف إلى القلق من الوضع السياسي الداخلي والوضع الاجتماعي والصحي الذي صاحب التصاعد غير المسبوق للإصابات بفيروس كوفيد 19. وكان منتظرا أن يسمع الجيش الوطني الشعبي كلمته من خلال منبره الشهري المتمثل في مجلة الجيش.
لقد كانت افتتاحية مجلة الجيش إذا الفضاء الأمثل الذي اغتنمته القوات المسلحة لتقديم قراءتها لتطورات الوضع داخليا وإقليميا فقد انتقلت الافتتاحية بين عدة موضوعات منها مشاركة قيادة الجيش في المجهود الوطني لمحاربة وباء كورونا ووضع كل الإمكانات التي يمتلكها الجيش تحت تصرف القطاع الصحي الوطني ضمن “الوفاء بالتزاماتنا تجاه الوطن والشعب” حسب ما جاء في نص الافتتاحية. كما تحدثت عن الصناعة العسكرية ومساهمتها في إعطاء دفع للاقتصاد الوطني وفق مقاربة دفاعية شاملة تتجاوز النظرة الكلاسيكية للدفاع تنطلق من تعزيز القدرات الاقتصادية حيث ينتظر أن تقتحم صناعاتنا العسكرية الأسواق الإقليمية والدولية فتساهم في كسب معركة تنويع الاقتصاد وفق معادلة تجمع بين الاستراتيجية الدفاعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد وفق جاء في الافتتاحية على لسان رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي سعيد شنقريحة.
غير أن ما كان منتظرا من قيادة الجيش أمام التطورات الأخيرة جاء ضمن دعوة إلى حالة تأهب قصوى ويقظة ورص للجبهة الداخلية “بما يمكن من إحباط المخططات العدائية المفضوحة والحملات الإعلامية المغرضة التي تحركها دوائر عدائية معروفة في إشارة واضحة إلى لائحة البرلمان الأوروبي الذي انتقدت وضعية الحريات وحقوق الإنسان في الجزائر. وهي في نظر كاتب الافتتاحية محاولة مفضوحة لاستهداف وحدة الشعب الجزائري من خلال الزعم بأن فئة منه تعادي فئة أخرى وتحرمها حريتها وحقوقها ومن خلال التشكيك في المسار السياسي الذي بدأ بانتخابات ديسمبر من العام الماضي ولا يزال متواصلا بتعديلات دستورية وقد يختم بانتخابات تشريعية ومحلية وهو ما وصفه صاحب الافتتاحية بالتوجه الوطني الصادق السديد والشجاع وهنا يلتقي صاحب الافتتاحية بالوصف الذي وصف به الرئيس الفرنسي ماكرون الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
وكأن صاحب الافتتاحية يرمي إلى ربط ضمني بين هذا التوجه الوطني والمسار السياسي الشجاع وبين ما تعرفه المنطقة من استفزازات غير مباشرة للجزائر وإثارة لقلاقل إقليمية تمثل بالنسبة لقيادة الجيش تهديدا غير مباشر للجزائر وتحرشا ضد دورها المحوري في المنطقة ومواقفها المبدئية في نصرة القضايا العادلة في إشارة إلى الموقف المبدئي المدافع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وإعلان الجزائر من على منبر الأمم المتحدة عن رفضها لأي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ويظهر مما سبق أن الجيش يرى أن الخطر قادم وأن ما يحاك في المنطقة التي تتوسطها الجزائر لا يؤتمن جانبه ومن منطلق العقيدة الراسخة في كل الجيوش فإن قيادة الجيش الجزائر تؤمن أنه مهما كانت قوة استعداده إلا أنه لا يمكن أن يرفع التحدي وينتصر على التهديدات القائمة دون سند شعبي وجبهة داخلية واعية ومدركة فكما وقف الجيش بالأمس بجانب الشعب ضد عصابة تربصت بسيادته وحرية اختياره فها هو الجيش اليوم ينتظر من الشعب وقفة تاريخية لحماية البلاد وصون حدودها واستقرارها.
ولا ينبغي أن يغفل الطرفان الأساسيان في صنع القرار في الجزائر وهما الشعب والجيش أن اللحمة الوطنية لا يمكن أن تشتد إلا بالحوار الوطني وطرح القضايا العالقة المتنازع عليها سياسيا واجتماعية على طاولة النقاش الصريح الخالي من روح الانتقام والانفعال.