أقلام

نظرية قاتلة تبرأ منها الإسلام

أحد النشطاء على الفايسبوك راح مؤخرا ينشر صوره التي تعود إلى نهاية الثمانينات مرورا بالتسعينيات وهو مع جماعات الدعوة والتلبيغ, وهو بالكاد من كان مناصرا شرسا لأحد الأحزاب التي صنعت الحدث يومها, وهو على أية حال حر في قراراته حتى ولو كان يتباهى عمد ا بأنه من أهل السنة.فقد كانت كل الصور التي يظهر فيها صاحبنا بلحية كثيفة, مما يدل ظاهريا على ورعه وتقواه .وكل هذا بالنسبة إليه انتهى عهده وأصبح من الماضي , لكنه اليوم وحينما تداعت الأحداث وتكالبت أصبح يظهر للعيان غير مقتنع باللحية تماما فنزعها وتخلص منها نهائيا لأنها لربما تجلب له الشبهة.لكن الأكيد المؤكد بأن قناعاته ظلت هي هي ,وربما يتساءل سائل لماذا هذه الصور ولماذا راح صاحبنا ينشرها, والإجابة هي أنها الجمل بما حمل أي أنه لا يملك من ذكرياته إلا إياها.وحسب اعتقاده أنها من الزمن الجميل وذكريات الشباب, المهم أنه حر في تصنيف ذكرياته كيفما شاء.لتتوالى السنين وإذ لصاحبنا المذكور أخ يترشح لإحدى المجالس البلدية وعلى رأس القائمة طبعا.فانخرط على المباشر الأخ الأكبر في صفوف الأخ الأصغر, أي راح يروّج ويسوق لحملته الانتخابية على أساس أنه المنقذ الوحيد للبلدية.وعجب العُجاب أن الأخ الأصغر والمترشح بالذات لديه خمس سجلات تجارية سبق وأن وظفها في الحصول على مشاريع في التهيئة العمرانية وكذا الإطعام المدرسي والمقاولة التي يملك عائداتها يوم كان عضوا بلديا, واليوم صنع قائمة من أجل الفوز بالرئاسة طمعا في الحصول على مشاريع أكبر, والغريب أن كل هذه السجلات التجارية بأسماء لأقارب منه وإليه؟ا أي أن جلها يصب في جيب واحد. والأكيد بأنها ليست الحالة الاستثناء في هذا الوطن وإنما مجرد عينة ليس إلا.
صاحبنا الذي تحدثنا عنه في البدء هو إسلامي سني محض, وهذا ليس عيبا بل فخرا ومجدا قلما يتحقق في هذا العصر وصعوبات الحياة وتناقضاتها ,والثاني المترشح هو ليبرالي أكثر ما عُرف عنه هو انخراطه في الفساد ولا إيمان لديه إلا المال ولغة البزنس . أم المشكلات هنا هي أن الليبرالي كان يغدق على الإسلامي ويده بالمال بما يكفي إلى درجة أنه استقل بسكن خاص واشترى سيارة فاخرة.والأغرب من ذلك أنه كان يسمع بتلاعبات أخيه لكنه يغض الطرف بل يمسك الأموال ولا أذن سمعت أو عين رأت ـ وقد صدق من قال بأن المال يعمي القلوب والنفوس ـ كان يغطي على أخيه ويدافع عنه بشراهة ولهفة منقطعة.

النظير إلى درجة أنه كان يقبض على الميكروفون وينبه الناس على أساس أنه الخلاص الأخير لكم, بل مفتاح من مفاتيح الجنة؟ا لا لشيء سوى أنه أخ من لحمه ودمه.وفي الأخير كانت النهاية بل الخبر السعيد وهو أن هذا المترشح لم يفز برئاسة البلدية بل المؤسف أنه كان قريبا من ذلك , لأنه يملك أنصارا له بالمئات وهذه مشكلة مجتمع برمته سنعود إليها في محطة لاحقة.
استوقفتني هذه الحالة وأنا أعلم كل الحقائق أي كل صغيرة وكبيرة, وتحسرت أيما تحسر عن حال هذه الأمة , وكيف يعيش هذا النوع من الناس وهم فعلا مؤثرون بارزون, ولهم وقعهم وكلمتهم, وفهمت مما فهمته أن صاحبنا الذي كان ينشر صوره على الفايسبوك لم يكن ذلك إلا مجرد رياء وجانب من جوانب آليات الدفاع عن النفس, وأن نظرية مع أخي ظالما أو مظلوما لازالت تسري في الدم لا تمحوها لا صور ولا أفعال معاكسة ولا لحية أو مظهر آخر من مظاهر التعبد الشكلي أي المظهري , وإنما الإيمان الحقيقي هو الابتعاد عن كل هذه الشبهات, فاللحية والقميص والسواك لا يصنعون مسلما حقيقيا,بل كل شيء متعلق بالقلب والعقل معا,وتفعيل الصفاء والصدق.وهناك طبعا آيات بينات هنا جاءت في القرآن الكريم تنهي عن الخداع والتزوير والرياء والكذب على النفس وعلى الآخرين, أولها وأجدرها أن الذين يعلمون والذين لا يعلمون طبعا لا يستوون, وأن الحلال بيّن والحرام بيّن.وما أكثرها من حكم وآيات تبصّر القلوب والأفئدة.أين نحن من عباس بن الأحنف أو معاذ بن جبل الصحابيان الجليلان اللذان لم تغريهما مفاتن الدنيا ومظاهرها.
التقوى الأصيلة لا تعني اللحية وإنما العمل بأركان الإسلام الخمسة وتطبيقها على أرض الواقع,فصاحبنا تغلبت عليه ثقافة الحمية الموروثة أبا عن جد , وهو للأسف من كان يعلم كغيره من الناس بأن أخاه فاسد ومن أكبر المساهمين في الترويج للفساد ورغم ذلك سانده وظل يدعمه حتى آخر قطرة من دمه.وبالاختصار المفيد صار الدين والتديّن لا ينفعان مع العادات والتقاليد الموروثة,لأن الكلمة الأولى والأخيرة تعود إليهما وبشكل جد مؤثر وفعال,أم كل الباقيات فهي مجرد سطحيات. في النهاية نقول بأن هذه النظرية هي فعلا قاتلة للضمير والحقوق المشروعة, وستظل فعالة مع جميع القضايا وتنشط على عدة جبهات وبألف وجه, ما دام أن المسلم الحقيقي لم يتخلص بعد من تقاليد القبيلة والعشائرية التي يدافع عنها,فهو لا يفسرها ولا يمحصها ولا يفككها أو يضعها على طاولة التشريح ,بل تطعّم بها منذ صغره وشرب منها حتى صنعت لنفسها قواعد في ذاته وقناعاته؟افالرسول الكريم حين دعا إلى نصرة الأخ ظالما أو مظلوما كان يقصد أن تدعو الأخ الظالم بالكف عن ظلمه وإبعاده قدر المستطاع عن ممارسة ظلمه, أي بدعوتك أنت وتدخلك الحكيم, من أجل إبراز الحق ونصرته وليس مساندته ودعمه باسم القرابة أو العشائرية.فالذين تحدثنا عنهم هم فعلا نماذج سيئة أساءت للدين بعد أن أساءت لنفسها ولو بالخطأ. فما أكثر هذه الأصناف في طول وعرض هذا الوطن.
بقلم : جمال نصرالله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى