أقلامالأولى

هؤلاء المتشائمون من نتائج التشريعيات

بقلم احسن خلاص

أحدثت النتائج الأولية للانتخابات التشريعية التي أعطت تقدما نسبيا لقوائم حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي حالة من اليأس والقنوط لدى من ركبهم طموح جارف بأن يكون الموعد الانتخابي هذه المرة مقبرة لهذين الحزبين من خلال ما يسمى عادة بالانتخاب العقابي.
كانت هذه التوقعات وراء إقبال الأحزاب الإسلامية إلى الترشح أفواجا ظنا منها أن الفرصة تاريخية لنيل الأغلبية التي طالما حلمت بها وكانت قاب قوسين أو أدنى منها عام 2012 في سياق ثورات الربيع العربي التي بوأت التيار الإخواني الصدارة في كل من مصر والمغرب وتونس.
وقد فعلت مثل هذه التوقعات فعلتها في الأحزاب التي يمكن اعتبارها من مشتقات حزب جبهة التحرير الوطني ودفعتها إلى دخول المعترك الذي أسال اللعاب وحرك الطموح بأن تكون هذه الأحزاب الوريثة الشرعية لما اعتبرته تركة “الأب المريض” ظنا منها أنه على وشك الموت.
غير أن ما أفرزته هذه الانتخابات بيّن أن هذين الحزبين قد خرجا من غرفة الإنعاش وقد استعادا بعضا من قدراتهما وعرفا كيف يوظفا بقايا الشبكات الخفية في الإدارة المحلية التي كانت دائما سندا لهما وكانت ترى في زوال الأفلان والأرندي عن المشهد نذيرا بتلاشيها.
لم يطل اليأس والقنوط منافسي الأفلان والأرندي فقط بل امتد إلى مراقبين ومحللين كانوا يطمحون في أن يكون الموعد الانتخابي الثاني بعد اندلاع الحراك الشعبي فرصة لنرى مؤشرات جديدة تدل على تأثير معتبر لهذا الحراك في سبيل إفراز خارطة سياسية جديدة تتشكل من الأحزاب التقليدية التي ظلت لسنوات في الصف الثاني لاسيما مشتقات الأفلان والأرندي على غرار جبهة المستقبل والفجر الجديد وطلائع الحريات، أو حزب جيل جديد وجبهة الجزائر الجديدة في ظل مقاطعة أحزاب ما يسمى التيار الديمقراطي التي رفضت المسار الانتخابي برمته.
لكن لا شيء من هذا تحقق إذ أن الملمح الوحيد المثير للانتباه في ما أفرزته الانتخابات التشريعية حدوث شبه توازن بين حزبي الأفلان والأرندي وحزبي حمس والبناء مع حضور مهم لجبهة المستقبل التي يرجح أن تنظم إلى وعائها الطبيعي كمشتق من الأفلان، بما يعني أن التوازنات الكبرى التي عرفت بها الطبعات السابقة للبرلمان لم تمس في العمق ولم تحدث ثورة هيكلية كبرى في هندسة المجلس الشعبي الوطني بما يكفي لتنجز نقلة نوعية في الخطاب والسلوكات السياسية في السنوات الخمس القادمة.
كل ما في الأمر أن المجلس الشعبي الوطني سيشهد دخولا ابتدائيا لما يقرب من 90 بالمائة من تركيبته البشرية بعدما اضطر القانون الانتخابي الأحزاب لتغيير جلدها النيابي بالإبعاد القسري لمن كانت لهم أكثر من عهدة برلمانية ولمن اشتبه في علاقتهم بالأوساط المالية الفاسدة. وتأمل السلطة بل تسعى لإقناع الرأي العام بأن يأتي تطبيق القانون الانتخابي الجديد بثماره حيث ستتجدد الموارد البشرية للمجلس ولن نكون أمام غرفة تشريعية انتهازية ذات الخطاب الاجتراري والتزلفي الذي عهدناه من قبل في غرفتي البرلمان بل سيحتوي على شباب يحمل خطابا موضوعيا ونقديا حاملا للبدائل.
وذهبت النظرة التشاؤمية في ردود الفعل الأولية على نتائج الاستحقاق التشريعي إلى اعتبار أن الجزائر بهذه النتائج قد عادت بالمشهد السياسي إلى ما قبل 22 فبراير بما يعني أن أكثر من عامين من الحراك الشعبي ذهبت أدراج الرياح بل كانت مضيعة للوقت فالذين طالب الشعب برحيلهم من الباب مكنت لهم الانتخابات التشريعية العودة من النافذة، بل ذهب التشاؤم إلى حد أبعد عند من رأوا أن هذه العودة ستكون فرصة لحزبي السلطة للانتقام من خصومهما ومن كل من حرك آلة الحراك للمطالبة بإسقاطهما.
غير أن ما يغفل عنه أصحاب هذه الاستنتاجات البسيطة أن الحراك الجزائري تجربة تغيير تاريخية أكثر من كونها تجربة خصومة سياسية عابرة، ومن الإجحاف أن يقال إن الحراك لم يحدث أي تأثير على مخرجات العملية الانتخابية الأخيرة، أول وأهم تأثير للحراك كان على نسبة المشاركة التي انخفضت بشكل محسوس بسبب إدراك ووعي لدى غالبية الناخبين أن الحملة الانتخابية وطبيعة المشاركين فيها لم تطرح بدائل تتناسب مع روح الحراك لكن غياب جل الناخبين عن الموعد جعل الأحزاب ذات الأوعية الانتخابية المنضبطة من محافظين وإسلاميين تملأ الفراغ وتستحوذ على أغلب المقاعد، وثاني تأثير للحراك أن ظله سيبقى قائما يتابع عمل المجلس الجديد ثم أن عددا لا يستهان به من النواب الجدد كانوا ممن شاركوا في المسيرات الأسبوعية وساهموا في فعاليات الحراك المختلفة. فهذا الأخير، بالرغم مما يمكن أن يعتريه من ضعف ومحاولات تحكم وتفتيت يبقى مرجعية وطنية لكل الجزائريين بما فيهم الذين لم ينخرطوا فيه أو خرجوا من رحابه مبكرا.
وبمقابل هذه الرؤى التشاؤمية الطبيعية ظهرت رؤية أخرى عتابية واستهزائية قاسية تجاه الذين لم يسعفهم الحظ للفوز بمقاعد ممن شاركوا طمعا في إحداث تغيير من داخل مبنى البرلمان. صارت سهام اللوم تتوجه إلى مشاركتهم في استحقاق اعتبروه مزورا مسبقا بل يشكل في نظرهم مسارا مناهضا للحراك قائما على فكرة إجهاضه وإعادة رسكلة النظام الذي أوشك على الرحيل. ويغذي هذه النظرة التيار الذي قاطع الانتخابات الذي يرى أن الخاسرين في الانتخابات دفعوا ثمن انتهازيتهم وطمعهم في أخذ نصيب لهم من المقاعد مقابل خيانتهم لطرح المقاطعة والمغالبة الجذرية للسلطة.
هذه بعض من ردود الأفعال التي ظهرت في معسكرات التغيير المعتدلة والمتشددة على نتائج تشريعيات 12 جوان وهي ردود أولية في انتظار التطورات التي ستحملها الأيام والأشهر القادمة وقد تفاجئ الرأي العام الداخلي والخارجي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى