أقلامالأولى

هل ستكون 2021 سنة الحوار الشامل؟

بقلم: احسن خلاص

تبرز الساحة السياسية في هذه الأيام الأولى من السنة الجديدة ما يوحي أن هذا العام الجديد لن يكون نسخة وفية ومطابقة لما عاشته الجزائر وهي تستقبل العام الذي مضى، إذ بالرغم من تخطي السلطة عقبة الشرعية الدستورية بانتخاب رئيس للبلاد إلا أن التوتر الذي صاحب بداية الانتقال السياسي من عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى عهد جديد كان له تأثير في اتجاه يجعل التفكير في الحوار الهادئ والجامع لأغلب الأطراف الفاعلة في الساحة ضربا من ضروب المستحيل بل صارت القلة القليلة التي نزلت عند الرئيس الجديد من أمثال احمد بن بيتور ومولود حمروش وسفيان جيلالي محل ريبة وتشكيك من قبل الرأي العام الذي أخذ في أغلبه منحى “ثوريا” راديكاليا.

 

لم يكن الحوار ممكنا ومتاحا بيسر وسهولة في مثل هذا الوقت من العام الماضي وقد كانت السلطة القائمة قد فتحت أمامها جبهات صراع مختلفة منذ بدء الحراك إلى درجة أن الاختلافات في الرؤى السياسية امتدت حتى إلى بيت التكتلات التي احتضنت مبادرات السلطة من قبل وتبنت مسارها الدستوري الانتخابي وقد بلغت هذه الاختلافات ذروتها بمناسبة نزول مشروع التعديلات الدستورية إلى درجة أن وجدت هذه التعديلات من تجرأ على رفضها.

 

وإذا كان الأمر على هذا النحو مع بداية العام الماضي فهل يزال على نفس المشهد مع بداية هذا العام؟ 

 

منذ ظهور نتائج الاستفتاء الدستوري في ظل الحالة السياسية الغامضة التي أحدثها غياب الرئيس تبون في مشفاه الألماني بدأت ترتفع الأصوات من هنا وهناك لتدعو إلى فتح حوار وطني لإيجاد حلول تحفظ المصلحة العليا للبلاد لاسيما وأن خطاب قيادة الجيش ومع خطاب الحكومة كان يصب في اتجاه فتح هذا الحوار الذي كانت جميع أطراف السلطة تأمل لأن يشكل جدارا وطنيا صلبا لمواجهة وضع إقليمي مفتوح على كل الاحتمالات في ظل القطيعة مع الهدنة بين المغرب وجبهة البوليزاريو وتفاعلات الملفين المالي والليبي. 

 

وبعد عودة الرئيس تبون إلى الجزائر مع نهاية العام وتوقيعه على قانون المالية وإصداره الدستور الجديد ومن قبل ذلك إعلانه خلال تصريحاته على حسابه على التويتر من ألمانيا عن التحضيرات الجارية لقانون انتخابات جديد تمهيدا لانتخابات مقبلة صارت الطريق معبدة أكثر لتتالى الدعوات إلى إطلاق حوار شامل ومع اتفاق هذه الدعوات حول المبدأ إلا أن ثمة اختلافات حول أفضل السبل لإنجاح هذا الحوار في ظل الصمت الذي التزمته السلطة إلى حد الآن إذ لا نكاد نجد إشارة من قبلها عن قرب إطلاق هذا الحوار في القريب العاجل.

ولعل الشغل الشاغل للرئيس تبون في هذا الأيام الأولى لسنة 2021 لا يزال منصبا على ترتيب بيت السلطة وقد يمتد في وقت قريب نحو ترتيب بيت الدولة قبل التفكير حول أي تفتح نحو المجتمع والطبقة السياسية وهو ما جعل المراقبين لا يستبعدون أن تستهدف السلطة من خلال جولة حوار مقبلة عصفورين بحجرة واحدة أولهما إطلاق تشاور واسع حول مسودة قانون النظام الانتخابي الذي توشك على الانتهاء منه لجنة لعرابة وثانيهما فتح نقاش واسع ودون طابوهات ولا حدود حول الوضع السياسي الراهن. وهو ما عبرت عنه بعض الشخصيات السياسية بالرغم من تباعدها السياسي والفكري منها الأمينة العامة لحزب العمال الويزة حنون ورئيس حرب البناء عبد القادر بن قرينة. ويشترك الطرفان في دعوتهما إلى ضرورة أن تفكر السلطة في تدابير تهدئة واسعة تمهد الطريق لحوار هادئ وموضوع بعيد عن التشنجات التي قد تخلفها مخلفات عام 2020.

 

وقد دفع إلى هذه المقترحات التطورات التي حصلت في ملف ما يسمى باجتماع التآمر على الجيش والدولة وتبرئة رئيس جهاز الاستعلامات والأمن السابق الفريق محمد مدين ورئيس الجهاز ذاته فيما بعد عثمان طرطاق إلى جانب السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس والويزة حنون. وهو ما فتح الشهية للمطالبة بإطلاق سراح شباب الحراك وكل المدونين المحبوسين باتهامات تتعلق بالقذف والتجريح في حق هيئات الدولة والتحريض على الكراهية.

 

ويرى أصحاب هذا الرأي أن الظرف اليوم مناسب أكثر من أي وقت مضى ليتحلى أصحاب القرار بمزيد من الجرأة والحكمة لمواجهة الأجندة القادمة للسلطة في مناخ يبعث على الاطمئنان ويسمح بانخراط أكبر في المواعيد الانتخابية المقبلة من طرف الفئات العريضة التي قاطعت الانتخابات السابقة وعزفت عن المشاركة في الاستفتاء على الدستور وينطلق المبادرون بهذه المقترحات من أن الجزائر بحاجة أكثر من الماضي إلى توحيد الصفوف وقد مهد لذلك ما ورد في افتتاحية مجلة الجيش قبل نهاية السنة ثم أن الأطراف السياسية من سلطة ومعارضة صارت اليوم منهكة من الصراعات التي لا تنتهي وإذا انتهت فقد تنتهي دون جدوى ولا فائدة. ويبقى الحوار لدى أصحاب هذا الرأي الوسيلة الوحيدة  لطمأنة النخب السياسية والرأي العام بجدية السلطة واستعدادها لتنظيم انتخابات مفتوحة ونظيفة تفضي إلى مؤسسات لا تشوبها شائبة الشرعية.

 

ومقابل التفاؤل المفرط والنية الحسنة التي يتحلى بها المنادون إلى الحوار لا تزال تيارات أخرى تبحث عن حل راديكالي وفق منهجية تعيد النظر في الدستور وتفتح فترة تهيأ فيها شروط تغيير جذري للنظام وهو ما ترفضه أطراف السلطة بالنظر إلى هواجسها من أن عملية كهذه من شأنها أن تزرع الفوضى وعدم الاستقرار في وقت غير مناسب للبلد الذي تتهدده الأخطار من كل مكان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى