بقلم:الدكتورة فاطمة عمري/ جامعة وهران 2
كرة يتراوح وزنها القانوني ما بين (410-450)غ لكن تأثيرها تخطى وزنها، لأنها بكل بساطة معشوقة الجماهير بامتياز سحرها غير المرئي جذب كل شرائح المجتمع من الفقير إلى الغني، من الصغير إلى الكبير، والأدهى من كل ذلك ألغت مبدأ التمييز بين النوع الاجتماعي ففسحت المجال أمام المرأة فصارت متابعة للأحداث الرياضية بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص.
فبالتالي استطاع جمهور عالم المستديرة بشكل كبير إلغاء الفروقات الطبقية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية ، لأن الالتفاف حول حب وتشجيع فريق معين يتخلله إتباع نظام معين متفق عليه بشكل إرادي ولاإرادي ويأخذ بعين الاعتبار نمط معين من الألوان المعبرة عن شعار الفريق؛ كلمات وعبارات محددة ؛إشارات ؛ لافتات وغيرها. فهل يوجد تحليل سوسيو-نفسي لذلك.
تغيرت الحقبة الزمنية ولم يتغير نمط الهوس بالتشجيع
في القرن 19 اصدر المؤرخ وعالم الاجتماع غوستان لوبان كتاب “سيكولوجية الجماهير ” وأعطى تحليل دقيق لأنواع الجماهير واحدث بذلك نقلة نوعية في هذا النمط ولمشجع كر القدم نصيب من ذلك فقد رأى بان الجماهير التي تصفق بحماسة شديدة لفريق كرة القدم الذي تؤيده تعيش لحظة هلوسة وجنون” (1) فهذا الانصهار الذي يحدث تنطمس الشخصية الواعية لفرد وتصبح عواطف وأفكار الوحدات المصغرة المشكلة للجمهور موجهة في نفس الاتجاه وعنذئد تتشكل الروح الجماعية سواء عابرة أو مؤقتة، تجعلهم يحسون ويفكرون ويتحركون بطريقة مختلفة تماما عن الطريقة التي يحس ويفكر بها كل فرد منهم لو كان معزولا ولكنها تتمتع بخصائص محددة وتصبح خاضعة لقانون الوحدة العقلية للجماهير”(2 )
وفي سياق آخر، لا يمكن إلغاء تماما خصائص وعوامل أخرى ساعدت على هذا التكتل المبهر على غرار اختيار كرة القدم كمتنفس وملجأ للهروب من منغصات وضغوط الحياة خصوصا للفئة التي تعاني من البطالة والتهميش وتدني المستوى المعيشي إضافة إلى العديد من المشاكل النفسية كالخجل والانطوائية و المعاناة من التنمر ، فتكون الفرصة متاحة للتعبير عن كل ما تختلجه الجوارح لأن الانتماء إلى الجماعة يساعد على إسماع اصواتهم وإيجاد مؤازرين ومساندين لانشغالاتهم وطموحاتهم فكما سبق الذكر- يوجد اختلاف كبير ما بين سلوك الفرد في الجماعة وعندما يكون معزولا .
ومن ناحية أخرى، تعزيز الانتماء إلى الوطن عن طريق التشجيع فرصة كبيرة لإبراز المساندة وحب الوطن كل وفق طريقته كارتداء ملابس تحمل الراية الوطنية ، الكتابة على اللافتات ، الهتاف بكلمات أو أغاني تبث معاني الوفاء والافتخار بالانتماء .
فهل الخضوع لقانون الوحدة العقلية للجماهير الرياضية يستمر حتى بعد الخسارة ؟
إشكالية تطرح بشكل متكرر ليس لعدم وجود إجابة لها وإنما لعدم ثبات المواقف التي يتم رصدها بعد خسارة أي فريق رياضي، ابتداء من الانتقادات اللاذعة، خيبة أمل، انهيارات تصل إلى مضاعفات صحية، اتهامات بالخيانة والتقصير، عدم الأحقية باللعب وصولا إلى أعمال العنف والشغب.
ولتفسير هذه المعادلة بشكل دقيق نستند إلى الدراسة التي أجرتها جمعية علم النفس الأمريكية (APA) على 300 طالب في أمريكا والعالم سنة 1976 بخصوص ردود الأفعال عقب نتيجة مباراة كرة القدم لفرق الجامعات فتبين بان استخدام ضمير”نحن” في حالة الانتصار هو السائد على سبيل المثال للتوضيح “نحن من صنعنا أو ساهمنا في الفوز” وتمجيد اللاعبين وتقمص أدوارهم وبشكل خاص اللاعب الذي صنع الأفراح فهذا ما يسمى بانتهاج سلوك الفرح بالمجد المنعكس.
أما في حالة خسارة الفريق فيغلب استخدام ضمير “هم” أي تحميل اللاعبين النتيجة إضافة إلى ابتعاد المشجعين عن الفريق الخاسر وهذا ما يسمى بانتهاج سلوك قطع الفشل المنعكس.(3 )
فما بين الفرح بالمجد المنعكس……. وقطع الفشل المنعكس…… ما التفسير الفيزيولوجي لكل ذلك؟
يرى عالم النفس الإكلينيكي الدكتور ريتشارد شوستر بأن عند مشاهدة كرة القدم يتم إطلاق الناقل العصبي” الدوبامين” والذي يشارك في تنظيم مراكز المكافأة والمتعة في الدماغ وهذا في حالة الفوز أو اللعب الجيد للفريق. أما في حالة العكس الخسارة أو اللعب السيئ فينتج الدماغ هرمون “الكورتيزول”
لان الجسم يكون في حالة الضغط وهذا ما ينعكس سلبا على إنتاج هرمون “السيروتونين”
فيؤدي إلى زيادة الغضب والاكتئاب، فيتم إرسال الدماغ إشارات تتسبب في إطلاق “الادرينالين” فيسبب في خفقان القلب بشكل سريع وارتفاع ضغط الدم ويتحول الدم إلى أهم أجزاء الجسم والقلب والعضلات كجزء من استجابة للهروب ويتغاضى عن ضخ الدم للأعضاء الأخرى مثل الجهاز الهضمي فهذا ما يفسره الإصابة بآلام في المعدة عند الكثيرين أثناء المشاهدة .90 د أجواء متغيرة كألوان قوس قزح… تبقى تعويذة المستديرة تجذب الأنفاس
90 دقيقة وما أدراك ما قيمة هذه الدقائق أجواء تخطف الأنفاس ما بين الترقب وارتفاع مستوى هرموني ” كورتيزول” و” الأدرينالين” صنع الفرجة والمتعة داخل وخارج المستطيل الأخضر المباراة بدون كلل أو ملل بروح جماعية متآزرة ومتناغمة فكل ذلك نتيجة لتعويذة كرة القدم التي صنعت عالما خاص بها بقوانين وأنظمة يتبعها الملايين من الجماهير في أرجاء المعمورة.
الهوامش .
(1 ) غوستاف لوبان، سيكولوجية الجماهير، ترجمة هاشم صالح، دار الساقي، الطبعة الأولى ، بيروت، 1991، ص29 .
(2 ) غوستاف لوبان، مرجع سابق ، ص53.
(3 ) رائد سمرين،سيكولوجية المشجع العربي،الموقع الالكتروني :الجزيرة نت ، 25/04/2017
(4 ) عبد الرحمان نصار، لماذا يعاني مشجع كرة القدم خلال 90 د؟ ،الموقع الالكتروني: قل و دل، 28 سبتمبر 2021