
قال الله عزّ وجل في سورة البقرة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} وجاء قوله سبحانه وتعالى في سورة غافر: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء» .
فللدّعاء فضل كبير في تغيير واقع العباد، وفي استرجاع حرية البلاد، لأنه استعانة الإنسان المسلم المؤمن بخالق الأكوان، وعالم الغيب والشهادة، فهو أقرب لعبده من حبل وريده، والمحيط بكلّ شؤونه، والمدبّر المسيّر لأقداره، وسؤال العبد لربه خلق إسلامي رفيع، وهدف يصيب الدنيا أو الآخرة أو يصيبهما معا، وتجارة لا خسارة فيها لقول الرسول صلى الله عليه وسلّم: «مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَعْجَلْ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا اسْتِعْجَالُهُ؟ قَالَ: «يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَدَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ»فأفضاله كثيرة، وصوره متعدّدة.
الاستغاثة بالله مجلبة لعونه
من أسباب النصر على العدو الاستغاثة بالله عزّ وجل، وقد عرّفها شيخ الإسلام على أنّها طلب الغوث من الرّب الجليل، لرفع البليات، وتفريج الكربات.
والاستغاثة لا تكون إلاّ بالله تعالى، وهي أخصّ من الدعاء وإن كانت تندرج ضمنه، لأنّها لا تكون إلاّ في الشدائد والنوائب والكربات، فهي تكون لدفع الضر ورفع البلاء، بينما الدّعاء يكون لجلب المنافع أيضا، فيسأل العبد ربّه جلب الخير مثلما يسأله دفع الشر.
وطلب الغوث منه تعالى من مجلبات عونه، ومن أسباب النصر على العدو، ولنا في الرّسول صلى الله عليه وسلم خير دليل، فقد نصره الله تعالى يوم بدر حين استغاث به، وطلب المدد من عنده بخضوع وتذلّل، فأيّده بجند من عنده، وانتصر رغم قلّة عدد الصحابة أمام المشركين الذين بلغ عددهم الألف، فغلبت تلك الفئة الصغيرة المباركة الفئة الكبيرة، قال الله تعالى في سورة الأنفال: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ}
ذكر الله عند لقاء العدو من أسباب الثبات
لولا الإيمان بالله واليوم الآخر لفقد المؤمن ثباته وسط ويلات الحروب، لأن النفس البشرية فطرت على حب الحياة الدنيا، فلا يعقل أن يرمي المقاتل بنفسه إلى التهلكة، ويدخل في حرب يعرّض فيها نفسه للموت، وهذا حال جنود اليهود اليوم الذين تفزعهم المقاومة الفلسطينية، وتزعزع استقرارهم النفسي، وتجعلهم يتخبطون في دائرة الهلع والفزع كل حين، فالخوف يتلبسهم رغم أسلحتهم وتظاهرهم بالغلبة، والقتال عندهم ليس خيارا بل إجبارا وقدرا محتوما يسوقهم إليه الصهاينة، يخافون ويضطربون ويترددون لأنهم لا يقاتلون لأجل غاية، ولا هدف لهم ولا ولاء، هم فقط يرغبون في حصد أكبر عدد من أرواح المسلمين في غزّة وما جاورها طاعة لحكامهم كلاب الصهاينة، ولعل هذا ما يدفع بهم لممارسة سياسة الإبادة الشاملة، والقصف الجوّي، فليس لهم رجالا يقابلون رجال المقاومة برّا، على عكس الفلسطينيين الرجال الشجعان البواسل، فهم يقاتلون لوجه الله تعالى ورغبة في الفوز بالشهادة، لذلك فأقدامهم ثابتة في الأرض وأعينهم تتطلّع إلى الآخرة، والقتال عندهم رغبة وعبادة ودعاء بالنصر أو الاستشهاد، وهذا ما يجعلهم يتمتعون باستقرار نفسي، وثبات رهيب، وصبر ومصابرة.
والفضل في ذلك كلّه لإيمانهم بالله عزّ وجل، وكثرة ذكره، والتعطش للقائه، واحتساب أجر ما يصيبهم من العدو عنده، فالعلاقة بالله تعالى وذكره ومناجاته سبب الثبات والفلاح، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} (الأنفال:45),
وللرّسول صلى الله عليه وسلم أدعية مأثورة في معاركه، منها قوله عليه الصلاة والسّلام: (اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب [مجري السحاب] [هازم الأحزاب] اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم وانصرنا عليهم)
وعن أنس – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا غزا قال: (اللهم أنت عضدي، وأنت نصيري، بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل)، وعن أبي بردة بن عبد الله أن أباه حدثه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان إذا خاف قوماً قال: (اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم)، وغيرها..
الدعاء يدفع البلاء
يعدّ الدّعاء من أقوى وأعظم وسائل دفع البلاء، وعوامل تحقيق النصر على الأعداء، فهو اتّصال العبد الضعيف بربّه العظيم، وانكسار المخلوق الذي لا حول ولا قوّة له للخالق الجبّار، وعرض حاجة من ضاقت به السّبل بين يدي من وسعت رحمته كلّ شيء، وطلب المحتاج من قاضي الحاجات العون أطراف الليل وآناء النّهار، وفي كلّ أحواله وظروفه، ودون وساطة بين الله وبينه، أو حاجة لما يكشف به ضرّه، فهو خالقه ومصوّره، والمطّلع على علانيته وسرّه، والعليم بما يخفيه صدره عن العالمين، وما يحمله قلبه من ضر وهم وغم..
فبالدعاء يدفع الله عن عبده ما يجهله من أخطار، لأنه الذي أحاط علما بكل صغيرة وكبيرة، والذّي يقدّر ويدبر فيحسن التقدير والتدبير، فعن سلمان – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (لا يَرُدُّ القضاء إلا الدعاءُ، ولا يزيدُ في العمر إلا البرُّ).
فما كان الله ليخذل من رفع حاجته إليه، خاصة ما تعلق بالظلم والاضطهاد والجهاد في سبيله ودماء وأرواح المسلمين، ذلك أن الله عزّ وجل حرّم الظلم على نفسه، وجعله بين عباده محرّما، ووعد المؤمنين بالنصر والمشركين بالهلاك، وهو الذي لا يخلف وعده لقوله تعالى: {أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}
ختاما
نسأل الله عزّ وجل أن ينصر إخواننا في فلسطين عاجلا غير آجل، ويمدهم بجند من عنده، ويثبت أقدامهم، ويسدد رميهم، ويربط على قلوبهم، ويرزقهم الصبر والمصابرة، ويعظم أجورهم، ويفتح لهم أبواب الرّحمات والجنان.
ونأمل من إخواننا المسلمين في كلّ بقاع العالم الدعاء لهم، والتضرّع لله عزّ وجل بنصرهم، وقرع أبواب الرحمن المفتوحة لنا مع كل نفس، فأعجز النّاس من عجز عن الدعاء لإخوانه ونصرهم بأضعف الإيمان.
فريحة بوشباط