أقلام

واجب الذاكرة.. فلسفة بيان نداء أول نوفمبر‪ ‬1954‬

لاشك أن أول نوفمبر تاريخ مفصلي في مسار الحركة الوطنية ومسار مقاومة الاستعمار الإمبريالي وتاريخ الجزائر كله وحتى تاريخ الإنسانية ،وذلك أن مفصيلته ليست مفارقة لروح أصيلة تشعر بهويتها المتميزة و أيضا ليست ولادة من عدم أو فراغ وإنما هو وان كان إعلان عن ميلاد ثورة جهادية عظيمة مشبعة بوعي التحرر الإنساني الحديث فانه مولود أصيل تمتد جذوره إلى سلسلة من المقاومات تشتد أحيانا وتضعف أحيانا أخرى بداية من مقاومة الأمير عبد القادر والباي والشيخ بوعمامة ولالة فاطمة نسومر ،و الى تمرد ومقاومة كل شخص كان يعي أن هذا المدمر المغتصب الفرنسي هو سبب الشقاء والفقر والتجهيل والبؤس الذي يعيشه الشعب الجزائري وعليه فإن محرري بيان أول نوفمبر كان مدركون أنهم لا يصيغون ديباجة ونص بيان عابر فقط وإنما هم يصيغون شهادة ميلاد وطن وبعث روح شعب و وكتابة بطاقة هوية له هدفها الجوهري هو أن يتجاوز فيه كل المشاريع والخطابات التي تحيد عن هدف الحرية والاستقلال الوطني انهم يصيغون مشروع مجتمع ستكون كلماته مضمون البرنامج السياسي الذي سيتم العمل من أجل تحقيقه. لتأسيس الدولة الوطنية‪.‬‬

بيان أول مشروع دولة ومجتمع

فالمتأمل في سطور نص بيان أول نوفمبر يتلمس معالم مشروع يعكس وعي عميق تقوم فلسفته على ادراك جلي وواضح دون ريب بان الشعب الجزائري قومية متميزة عن فرنسا تاريخيا وجغرافيا وطنه الجزائر ولغته العربية ودينه الإسلام وعاداته وتقاليده جزائرية خالصة وبالتالي فليس هو امتداد لفرنسا ولا أرضه فرنسية ولا يمكن اندماجه عن طريق الثقافة الفرنسية كما تروج السردية الفرنسية الاستعمارية و بعض المغتربين من الجزائريين كالاندماجيين الذين فتشو عن الأمة حتى في المقابر ولم يجدوها والوعي بأن الشعب وحده هو مصدر القرار ،والحكم ومعهم مناضلي الحركة الوطنية في قضية الاستقلال الوطني عن طريق الكفاح المسلح فهي لبست قضية جهة أو نخبة أو حزب وحده مهما كان لهم باع في النضال الوطني وبذلك تم إحداث قطيعة مع النزعة الأبوية لبعض المناضلين والسياسيين‪ ‬‬

وضوح الهدف والوسائل في البيان

‪ ‬إن تحديد الأهداف بدقة ووضوح والوسائل المتبعة في ذلك دون كناية أو تلميح و بلغة صريحة بينو مقومات وجهة نظريتهم التي يتبنونها والتي على أساسها تمت الدعوة إلى الاستقلال الوطني في اطار الشمال الأفريقي هذه الأهداف منها ما هو داخلي ومنها الخارجي سعيا للهدف الأول و الجوهري الذي هو الاستقلال الوطني بواسطة إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن اطار المبادئ الإسلامية وفي نفس الوقت احترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني ونستشف هنا وعي حداثي بالمجتمع المعاصر لدى محرري بيان أول نوفمبر ينتهج لغة خطاب سياسي جد معاصرة تستوعب فلسفة الحقوق والنظام العادل الذي يقوم على الديمقراطية حيث يتساوى فيها الجميع مؤسسة على فكرة المواطنة دون تمايز بسبب الاختلاف العرقي والديني والثقافي أو التفاوت الطبقي الذي يقضي عليه بعدها الاجتماعي حيث تراعى فيه الحقوق الاجتماعية لجميع أفراد الشعب من خلال السعي لتوفير بنية حياة كريمة للجميع تقوم لبناتها على العدالة الاجتماعية وهذا كله في إطار روح قيم المبادئ الإسلامية.(دولة جزائرية ديمقراطية اجتماعية في إطار قيم المبادئ الإسلامية )‬

الوعي بخطورة الإمبريالية والنظام الاستعماري

أدرك محرري ديباجة البيان إن خطورة سردية الاستعمار و الامبريالية وعملاؤها الإداريون ومحترفي السياسة الانتهازية داخل الحركة الوطنية في تزييف حقيقة الحركة الوطنية وأهدافها التحررية العادلة من الممكن أن تكون عائق أمام العمل المسلح . ولذلك وضح بيان أول نوفمبر بلغة قوية المبني وواضحة المعنى الأهداف من حركته التجديدية التي هي تحت لواء جبهة تضم الجميع المؤمنين بالقضية الوطنية من أجل التحرير الوطني ذلك أن السردية الاستعمارية ستسعى بدون شك إلى تصنيف الثوار بأنهم مجرد عصابات و لصوص ينتهجون الإرهاب والإجرام والنهب والسرقة ومجموعات خارجة على القانون أو مجموعات مأجورة من قوى تعادي الغرب الرأسمالي كعادة اللغة الإمبريالية الاستعمارية ولذلك ختم البيان نداءه بسطر ينبض بالعزم والقوة والتصميم والتضحية والشجاعة وهو : “نحن العازمون على مواصلة الكفاح ،الواثقون من مشاعرك المناهضة للامبرياليين ،فإننا نقدم للوطن أنفس ما نمتلك‪ “..‬‬
‪/.‬الإلمام بشروط حركة التاريخ وقانونه وأيضا مراحل الحركة الوطنية التي وصلت الى الأزمة التي يجب أحداث القطيعة مع مسبباتها بحيث أن محرري البيان أدركوا أن الحركة الوطنية قد انتهجت كل أشكال الكفاح السياسي المتاحة والتي خلقت جميع جميع الظروف الثورية الممكنة فقد توفر المناخ الداخلي من وعي ونضال كما أن هناك ظروف خارجية قد تجلت في المد التحرري الذي بدأت ثوراته في العالم وخاصة في المغرب وتونس وهذا ما يجعل القيام بالعمل الثوري مناسبة لا يجب أن مرحلة تاريخية يجب خوضها .وهذا ما جعل النداء يخوض في الإحاطة بهذه الظروف المتاحة‪ . ‬‬‬

تحديد أطر الانتماء التاريخي والجغرافي

‪ ‬يحدد نص بيان أول نوفمبر منذ البداية دائرة انتماءاته الطبيعية التي تجعله بالضرورة مختلف على الامتداد الفرنسي وهي أن سعيه للحرية والاستقلال الوطني في إطار الشمال الأفريقي وهذا ما يعني قطع أي صلة مع فرنسا الأوروبية الغربية كما أن هدفه الخارجي هو تحقيق وحدة هذا [الشمال الأفريقي ] في إطاره الطبيعي العربي والإسلامي وبالتالي فإن الدولة الوطنية الجزائرية هي جزء من الأمة العربية والإسلامية وأيضا تتعاطف مع جميع الأمم التحررية التي تساند القضية الوطنية‪ ‬‬‬

عرض السلم مع العمل الثوري

الوعي بأهمية السلم كقبمة حضارية وإنسانية عالمية يجنح إليه أهل العقل والحكمة والرغبة فيه والدعوة الى المناقشة والحوار حتى وان كان نداء أول نوفمبر يدعو الى الكفاح المسلح فإن محرريه. اعدو وثيقة مشرفة للسلطات الفرنسية يمكن أن تكون أرضية للنقاش وهذا للتأكيد انهم ثوار أحرار وأصحاب قضية عادلة من اجل حرية الوطن ولتجنب إراقة الدماء والتقليل من الخسائر البشرية وجه نداء بيان أول نوفمبر مطالب ثلاثة مقابل ثلاثة وهي
1 الاعتراف بالجنسية الجزائرية رسميا وعلنية، وإلغاء كل الأقاويل والقوانين التي تجعل من الجزائر أرضا فرنسية
2 التفاوض مع ممثلين مفوضين من الشعب الجزائري والاعتراف بالسيادة الجزائرية وحدة لا تتجزأ
3خلق جو من الثقة من خلال تدابير تطلق سراح المعتقلين السياسيين ومطاردة القوات المكافحة …الخ
رغم هذا الطرح الذي يجنح إلى أخذ الحقوق الطبيعية في الحرية والاستقلال من خلال الحوار لم تأبه له فرنسا فان محرري بيان أول نوفمبر كانوا يخاطبون الراي العالمي كله بأنهم أصحاب قضية عادلة وانهم ثورتهم المسلحة مشروعة أخلاقيا وإنسانيا وللتدليل على زيف وكذب وعنصرية ووحشية السلطة الفرنسية الاستعمارية
وخلاصة القول إن هذه الوثيقة ليست مجرد نداء من اجل الكفاح المسلح وإنما هي نص مرجعي تحددت فيه هوية الشعب الجزائري وشخصيته وأبعاده الحضارية وأهدافه المستقبلية فهي جديرة بأن تكون ثابت من الثوابت الوطنية ومصدر قياس مشروعية أي قانون أو قرار وكما جاء في أخر نداء فقرات البيان (أيها الجزائري إننا ندعوك لتبارك هذه الوثيقة وواجبك أن تنظم الهيئة لإنقاذ بلدنا والعمل على أن تسترجع له حريته ) ولا شك أن حريته في سيادته وسيادته في وحدته وفي العمل والإخلاص في البناء والتنمية والاستمرار في الدفاع عنه‪.‬‬

سراي مسعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى