مِنْ مَحَاسِنِ الْأَقْدَارِ أَنْ تَجْمَعَكَ أَنْفَاسٌكَ بِشَقَائِقِ رُوحِكَ ، رَغْمَ فَارِقِ السِّنِّ بَيْنَنَا ، حَيْثُ لَمْ تَجْمَعْنَا مَقَاعِدُ الدِّرَاسَةِ ، وَ لَمْ تَجْمَعْنَا الْمَدِينَةُ الْوَاحِدَةُ ، وَ لَكِنَّ مَدْرَسَةَ الثَّقَافَةِ تَخْتَزِلُ الْمَسَافَاتِ وَتُقَرِّبُ الْأَشْخَاصَ بَعْضَهُمْ الْبَعْضَ ، تَشْعُرُ كَأَنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ تَعْرِفُهُ مُنْذُ سِنِينَ ، تَتَقَاسَمُ مَعَهُ الْوُدَّ وَ الِاحْتِرَامَ وَ الْمُجَامَلَةَ .
حَقًّا إِنَّ سَفِينَةَ الثَّقَافَةِ تَجْمَعُ الْأَشْخَاصَ فِي سَاحَةِ الْإِبْدَاعِ وَ الْعَطَاءِ ، حَيْثُ لَا مَكَانَ لِلْبَخْلِ تُسَافِرُ تُجِيبُ النِّدَاءَ حَيْثُ حَلَّتْ قَافِلَةُ الْعَطَاءِ الثَّقَافِيِّ لَا تَعْرِفُ لَهَا سَنًّا وَ لَا عُلُوَّ مَكَانَةٍ وَظِيفِيَّةٍ ، تَجِدُ الْأَرْوَاحَ تَنَاغُمٌ فِي تَجَانُسٍ ، كَأَنَّ الْجَمِيعَ رُوحٌ وَاحِدَةٌ .
إِنَّهَا مَحَاسِنُ الْأَقْدَارِ أَنْ تَجْمَعَنَا بِقَامَاتٍ عِلْمِيَّةٍ أَكَادِيمِيَّةٍ وَازِنَةٍ فِي تَخَصُّصِهَا ، وَازِنَةٍ فِي مَقَامِهَا ، قَامَاتٍ تَعْشَقُ الثَّقَافَةَ ، تُخَصِّصُ لَهَا مِنْ الْأَوْقَاتِ وَ الْجُهْدِ مَا يُلَبِّي حَاجَةَ الْمُتَعَطِّشِ لِمَوَارِدِ الْفِكْرِ وَ الْأَدَبِ وَ الْفَنِّ الرَّاقِي .
إِنَّ تِلْكَ الْقَامَاتِ الَّتِي احْبَبْنَاهَا بِصِدْقٍ ، نَسْعَدُ حِينَ التَّلَاقِي ، نَشْعُرُ بِالسُّرُورِ حِينَ نَجَاحِهِمْ ، نَشْعُرُ بِسَعَادَةٍ تَغْمُرُنَا ، وَ نَسْعَدُ حِينَ نَرْتَشِفُ مَنْ شَهِدَ عِلْمُهُمْ وَ إِبْحَارُهُمْ فِي مَجَالِ تَخَصُّصِهِمْ ، تُحِسُّ أَنَّ النَّفْسَ قَدْ اسْتَكْمَلَتْ نَقْصَهَا الْمَعْرِفِيَّ .
إِنَّ الْجُلُوسَ فِي حَضْرَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَ الْمَعْرِفَةِ زَادٌ يُحْرَمُ مِنْهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ الْعِلْمِ وَفَضْلَ أَهْلِهِ ، نَقُولُ بِصِدْقٍ إِنَّ تِلْكَ الْقَامَاتِ الَّتِي سَكَنَتْ سَاحَتَنَا حُضُورًا وَ تَأْطِيرَ أَعْرَاسِنَا الثَّقَافِيَّةِ حَقٌّ لَنَا أَنْ نُلْبِسَهُمْ تَاجَ الْفَخَارِ وَ التَّكْرِيمِ الْمُسْتَحَقِّ ، يَحِقُّ لَنَا أَنْ نُكَرِّمَهُمْ بِبَعْضٍ بِاهْتِمَامِنَا وَهَذَا حَقُّهُمْ عَلَيْنَا .
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُبَارَكَ جُهُودَهُمْ وَ يَحْفَظَ أَقْدَامَهُمْ وَ يَرْفَعَ مَقَاسَاتِهِمْ ، وَ أَنْ يَرْزُقَهُمْ الْعَافِيَةَ وَالْبَرَكَاتِ أَيْنَمَا حَلُّوا وَ نَزَلُوا .
الأستاذ حشاني زغيدي