أقلام

1890-1967.. مقالة مغمورة للشيخ محمد العابد الجلالي ‪ ‬‬

بقلم: أ/الأخضر رحموني

في مقاله (محمد العابد الجلالي في الكتابات المعاصرة ) المنشور بالعدد رقم 1255 من جريدة البصائر الصادر بتاريخ 02- 08 فيفري 2025 أبدى الأستاذ الدكتور مولود عويمر استغرابه من عدم الإشارة إلى عناوين و مضامين المقالات المنشورة في جرائد الفاروق و لسان الدين و الصديق والنجاح بتوقيع الشيخ محمد العابد الجلالي من طرف من تناول حياته و آثاره بالدراسة ..لهذا فضلت بداية و لتعميم الفائدة خاصة لفئة الباحثين والطلبة الوقوف عند مقال نشره الشيخ محمد بن العابد الجلالي في العدد رقم 53 من السنة الثانية لجريدة الصديق الصادر يوم الاثنين 20 مارس 1922 الموافق ل 21 رجب الأصب 1340 بالصفحة الأولى كافتتاحية ،و قد حمل عنوان (الشعب الجزائري و نوابه ) .

لمحة عن جريدة الصديق:

جريدة الصديق التي نشر بها المقال سبق لي تناولتها في دراسة تحليلية ظهرت لأول مرة على صفحات جريدة – كواليس- ونشرت على ثلاث حلقات في مارس وأفريل 2020 ،ثم أعادت نشرتها مجلة فواصل وهي مجلة ثقافية فكرية شهرية كانت تصدر عن مؤسسة – الشعب- بعددها رقم 04 لشهر ماي 2021 ،والصديق جريدةصدر عددها الأول يوم الخميس 12 أوت 1920و توقفت يوم الجمعة 27 مارس 2021 بعد مسيرة حافلة بالعطاء الأدبي وبروز 54 عددا منها خلال 19 شهرا و15 يوما .
الجريدة تهتم بالقضايا الوطنية والاقتصادية والاعتناء بالأدب العربي، كانت تعتبر نفسها صوت الإسلام بإفريقيا الشمالية الذي يدعو إلى التعاون وإقامة النصوص الدينية وتهذيب الأخلاق ونشر المعارف والعلوم العربية وتأسيس المشاريع العملية والاقتصادية. كانت توشح صفحتها الأولى ببيت شعري لمديرها ورئيس تحريرها عمر بن قدور الجزائري (1886- 1932) صاحب جريدة الفاروق والبيت هو (قلمي لساني ثلاثة بفؤادي** ديني وجداني وحب بلادي).
كانت تصدر في أربع صفحات بمدينة الجزائر العاصمة، وتخصص حيزا من صفحاتها للإشهار.
كانت تصدر في البداية مرتُين في الأسبوع يوم الاثنُين ويوم الخميس ولاضطراب عملية الطبع كانت تغير يوم صدورها . سجلت اسم محمد بن بكَير بن زكري المعروف بالتاجر كمدير لها وصاحب امتيازها، وعمر بن قدور مدير ورئيس تحريرها، بداية من العدد الأول إلى غاية العدد السادس الصادر في 1920 ، وخلفه الشيخ المولود بن محمد الزريبي الأزهري(1887- 1925) كرئيس تحرير بداية من العدد السابع الصادر يوم الاثنين 25 أكتوبر 1920 إلى غاية توقفها يوم 27 مارس 1922 في عددها الأخير رقم 54.

فكرة النص:

المقال كتب بعد نهاية الحرب الكونية الأولى ( 1914- 1918) و ما حملته من بذور الوعي الوطني و السياسي للشعوب المستضعفة و الدعوة لاستنهاض الهمم من أجل الحصول على حقوقها المهضومة بالطرق السلمية كالمشاركة في المجالس النيابية و إصدار الصحف و تأسيس النوادي.ويمكن اعتباره صرخة مواطن جزائري في وجه النخبة من النواب الجزائريين الذين تم انتخابهم ضمن المجالس الفرنسية للدفاع عن الحقوق و لكن الكاتب تفاجأ بأنهم لا يملكون الفعالية و الشجاعة الأدبية لإيصال هموم المواطن و تطلعاته المستقبلية إلى السلطات الفرنسية الحاكمة بكل شفافية بل انتقد تصرفاتهم و وصفهم بأنهم نواب شكليون
وأصحاب مواقف متناقضة ، مع الاعتراف بوجود نواب نزهاء يقومون بواجبهم في الدفاع عن الحقوق.وقدم نصيحة للجميع لتوحيد المواقف بهدف / نشر روح العلوم والمعارف بين طبقاته على النسق العصري/ شريطة تشجيع نشر اللغة العربية والتعامل بها في المجتمع لأهميتها المعرفية.

لمحة عن صاحب المقال :

محمد بن العابد الجلالي من رجالات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تشبع بالروح الوطنية منذ صغره وشبابه مستلهما المواقف الصلبة لوالده الشيخ العابد بن عبد الله سماتي مع السلطات الاستعمارية إلى غاية اندلاع الثورة التحريرية
والتحاقه بها رغم تقدمه في العمر. ويكفيه فخرا أن الشهيد محمد العربي بن مهيدي حكيم الثورة الجزائرية وعضو لجنة الستة التي حملت على عاتقها مسؤولية الكفاح المسلح من تلامذته بمدينة بسكرة وكان يزوره رفقة مصطفى بن بولعيد ومحمد بوضياف. خدم القضية الوطنية بقلمه ولسانه في المجال الإصلاحي والتربوي والأدبي من خلال الأناشيد الإسلامية الموجهة للناشئة/ كي يملأ الفراغ الروحي الذي استغلته الأناشيد الاستعمارية ويملأ الحياة إنشادا
وتربية وتوعية وإرشادا /،وكتابة القصص القصيرة الهادفة بتوقيعه المستعار– رشيد-على صفحات مجلة الشهاب وقد عده بعض الدارسين رائد القصة العربية الجزائرية وتأليف المسرحيات التي تدعو إلى الأخلاق الفاضلة منها مسرحية++ ( مضار الجهل والخمر والحشيش والقمار ).بل أنه صحفي وأصدر جريدة- أبو العجائب- التي ظهر عددها الأول في24 ماي 1934
وتوقفت في26 جويلية 1934 بعد صدور عشرة أعداد منها. كما ترك كتابا تحت عنوان ( تقويم الأخلاق ) صدر سنة 1927 عن المطبعة الجزائرية الإسلامية بقسنطينة ،و كتاب (الأناشيد الإسلامية لأبناء وبنات المدارس الجزائريّة) الصادر عن المطبعة التونسية . ‪ ‬‬
محمد العابد الجلالي من مواليد 1890 ببلدة أولاد جلال وإن كتبت سنة ولادته على شاهد قبره بسنة 1893.أخذ علوم الدين الأولى على يد والده ثم شيوخ المنطقة .التحق بحلقات دروس الشيخ عبد الحميد بن باديس سنة 1920 وقد اختاره للتدريس بمدرسة التربية والتعليم الإسلامية الحرة بقسنطينة سنة 1930.كما درس لفترة في مدرسة مدينة العلمة. بعد وفاة الشيخ ابن باديس ارتحل سنة 1943 إلى مدينة بسكرة و أدار مدرسة التربية و التعليم بها،و كان في الوقت نفسه مرشدا لفوج الرجاء للكشافة الإسلامية رفقة الشيخ علي مرحوم .في سنة 1947 انتسب إلى مدرسة العرفان بمدينة عين مليلة بدعوة من زميله و مدير المدرسة الشاعر محمد العيد آل خليفة إلى غاية التحاقه بالثورة و وقوعه في الأسر في شهر ديسمبر 1954 حيث ألقي عليه القبض بنواحي الخروب و زج به في سجن الكدية‪ ‬ و تمت محاكمته في‪23‬ جوان 1955 بعد محاكمة مدير المدرسة ،ثم حول إلى سجن البرواقية و الذي بقي بين جدرانه حتى الإفراج عنه في 14 ديسمبر 1961 .بعد استرجاع السيدة الوطنية رجع إلى مدرسة العرفان لمواصلة التدريس بها و بقي ثلاث سنوات حتى تدهور حالته الصحية فرجع إلى بلدته و توفي يوم الخميس 02 فيفري 1967 بمستشفى بسكرة ،و شيعت جنازته في الغد بعد صلاة الجمعة في مقبرة مسقط رأسه بين أسلافه و أفراد من عائلته بحضور وفود رسمية و شعبية يتقدمهم أفراد الكشافة الإسلامية الجزائرية .‬‬

نص المقال : الشعب الجزائري ونوابه

أرانا الله في الحرب الكبرى التي وترت أعصاب الإنسان آية من آياته الكونية ،فرأينا مظاهرها جلية واضحة في جانبي القوة و الضعف، فخفضت المتعالي بعدما كان لا يملأ عينه الفضاء ،و رفعت المتواضع بعدما كان يائس من نجاته ،كل ذلك لينتهي القوي من عدائه الوحشي ،و يطمئن الضعيف فيثب على حقوقه المهضومة التي لا موجب لهضمها إلا شره النفوس الخبيثة، (فاعتبروا يا أولي الأبصار)، و لهذا كنت تسمع بأن الحرب صوت الحرية المطرب يرن صداه في آذان الأمم الضعيفة حي على الفلاح، و نداءه المنشط يتماوج بين الشعوب هلموا أيها التعساء ليأخذ كل ذي حق حقه، فانتبه من سباته من كان نائما و أزال عن وجهه غبار الغفلة و هب يعمل على سعادته ،فانتخبت المجالس و ألفت الوفود و أقيمت الجمعيات و بثت المعارف و أنشئت الجرائد و المجلات و أسست النوادي، و لكن أين حظ الشعب الجزائري من هذه المواهب التي أخذ كل من على سطح الأرض حظا وافرا منها، لم يكن كغيره من الشعوب قابلا للتعاليم العصرية متهيئا لأن يتناول حقوقه بيمينه كلا، شعب نبيل كريم بريء من وصمة أعدائه مما يتوسمه فيه مبغضو العدل و الإنصاف، متهيئ لتلقي كل خير لو ساعده على ذلك الحظ و منحه النصح قادته و أوصلوا البحث لاكتشاف علله .
نعم إن لدينا نوابا و صحفا ،و لكن صوريون لا نفوذ لهم و لا سيطرة معهم ،تهددهم الأخطار و تحيط بهم المصائب ،و مع تلك الأقلية من النواب فهم متشعبو الآراء مختلفو المذاهب ،فمنهم من يرى مصلحته و يرى حقوق الأمة عليه و لكن يؤثر مصلحته على حقوق الأمة ،و منهم من تملكه حب الذات و استعبده عشق الرئاسة على إخوانه الضعفاء البؤساء ،و استولى على حواسه الجبن و القنوط فلم ير للأمة حقا عليه، فهو يجري مع التيار الجاري إلى أن يلاقي الله و حقوق الأمة مغلولة في عنقه فما أدري ماذا يفعل به .
ومنهم من يرى مصلحته ويرى حقوق الأمة عليه ويؤثر حقوق الأمة ولكن وقف حائرا مبهوتا لخذلان زملائه إياه هكذا كل واحد يضرب على وتر يناقض نغمة صاحبه .
أما القسمان الأولان فهما عثرة في سبيل الأمة و سيئة اقترفتها سامحها الله بانتخابها لهم نوابا عنها لأنهما بميلهما إلى مصالحهما الخاصة أشبها غير الإنسان من أنواع الحيوان، و من كان بهذه المثابة جدير بأن يطرح من عين الاعتبار
و لا يقلد خطة أي خطة كانت خصوصا النيابة عن الأمة .
لقد أشعرتنا الانقلابات الحديثة أن الأمر مائل لا محالة إلى إعطاء الشعوب حقوقها الضرورية التي تعيش فيها عيشا هنيئا. فليأخذ نوابنا نصيبهم من هذا الأمر المحقق، وليتضامنوا بجمع كلمتهم، وليرتبطوا بحبل واحد حبل الدين الذي يجمعهم.
إن الشعب الجزائري يطلب بألسنة نوابه نشر روح العلوم و المعارف بين طبقاته على النسق العصري المستعمل عند الأمم الحية ليتسنى له امتنان الفضائل و الرقي إلى أوج السعادة ،لكن بشرط أن يكون طريق ذلك هو اللغة العربية التي نشأ عليها و امتزجت بلحمه و دمه ،و هي لغة الدستور العمراني القائل ( إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي ) ،فهي أقرب وسيلة إلى نجاحه ،و أسهل طريق يوصله إلى غرضه المقصود ،و أقوى حجة أدلى بها على أحقية لغتنا بنا هو أننا نرى كثيرا من الأهالي ممن زاول الكليات العليا ،و حصل على الشهادات الكبرى و تمحضت قراءته بغير لغة الجنسية ،لا نرى منهم من ترجم لنا فائدة أو ترجم عنا كلمة ليبلغها آذان المراجع العالية ،أم هل رأيت لهم جمعيات ودادية يمهدون لنا بها سبل الاقتداء بهم ،كل ذلك لم يكن مع أنهم في طوقهم لو ثبتت العزيمة و قويت الإرادة .
و قد شرح هذا الفصل بإيضاح أديب قسنطينة صديقنا الفاضل السيد محمد النجار في بعض الأعداد السالفة من النجاح الأغر.
إنه من العار أن نرى على هذه الحالة من الجهل المطبق الذي أوقف حركتنا في معترك الحياة ،ونحن في حجر الأمة الفرنسية التي عرفت بين الدول بالعدل والإنصاف حتى اكتظت عاصمتها بالوفود من كل ناحية ..
إننا شاعرون بحظنا من التراث البشري و حقوقنا التي كتبها لنا الدهر في صحيفته التاريخية بدمائنا الطاهرة التي كست أرض فرنسا ثوبا أرجوانيا لا تنفك صبغته ما دامت الدنيا ،سكت النواب عن طلبها و غمصوها حقها ،قد تواطئوا على اجتياح دمائنا و أموالنا و نحن مستعدون لمقابلتهم بين يدي العزيز الجبار ،
و أخذ حقوقنا منهم كاملة يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، يوم يستوي الرفيع و الوضيع، يوم يتجلى فيه الجبار بصفة العظمة و الجبروت ،فهناك الموقف لخرج الذي تطيش فيه العقول و تذهب الحيل .
فاتعظوا أيها النواب هداكم الله ،و قوموا بواجبكم نحو شعبكم البائس،و اعتصموا بحبل الله جميعا حبل الإسلام الذي أنعم الله تعالى به عليكم ،و كونوا كعضو واحد فإن يد الله مع الجماعة .
و من يتول الله و رسوله و الذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون، أرشدنا الله
و إياكم لما فيه مصلحة الجميع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى